أن تبدأ حكاية الخلاف بين شابين من قبيلتين، أصيب أحدهما بأربع طعنات أدخل على إثرها إلى المستشفى، فتصل الحكاية لخلاف بين قبيلتين، استدعى تدخل مشايخ لحل هذه الأزمة التي عصفت بالقبيلتين، فتنتهي الحكاية بتجمع 300 شخص ذات صباح مع بعضهم «المثار رد اعتبار يعادل مائة ألف ريال وقعودا من الأبل وبندقية أو خنجرا تقدم للمجني عليه» لمراقبة المحكمة القبلية والصلح، فيقسم 12 شخصا من أهل المجرم أنهم لم يبيتوا النية مسبقا على الاعتداء أو رضاءهم به، ثم يقدم مبلغ 4 ملايين ريال «خفض لمليوني ريال» وجيب لكزس جديد وأربعة خناجر مقابل التنازل وإنهاء القضية» . قلت: أن تبدأ الحكاية بمشادة بين شابين، فتصل للقبيلتين قبل أن تنتهي للصلح، أمر في ظاهره حسن، فالعداوات إن تركت دون حل، تولد الأحقاد التي تأخذ البشر للثأر الذي لن يتوقف؛ لأن الأحقاد للأسف تتوارثها الأجيال إلى ما لا نهاية. ولكن في باطن هذه الحكاية يبقى سؤال مهم يستحق أن نطرحه ونسأل أنفسنا: لماذا لا يريد البعض الانتقال من فلسفة ما قبل الدولة إلى «دولة القانون»؟ لا أعني هنا فلسفة ما قبل 100 عام فقط، بل قبل أكثر من 14 قرنا، وقبل أن يأتي الإسلام إذ كان اشتباك بين شخصين من قبيلتين يعني إباحة دماء ومال القبيلتين، فتشتبكان في حرب لسنوات طويلة؛ لأن الأحقاد تتوارث كذلك العدل لم يكن حاضرا قبل أن يأتي الإسلام ليخبرنا «ولا تزر وازرة وزر أخرى»؛ أي ليس من العدل أن يجر شخصان تملأ قلبيهما الكراهية القبيلتين إلى مستنقع الكراهية والانتقام، وأن علينا إقامة «دولة القانون» التي تحكم بالعدل، فتفصل بين الضحية والجلاد، دون أن يدفع من لا دخل لهم بالحكاية ثمن ما فعله شخص بشخص آخر. بقي أن أسأل: متى نفكر بهذا مليا، فالقضية ليست قضية صراع شخصين يجر قبيلتين لمستنقع الكراهية، إنه أيضا صراع بين شخصين من دولتين يجر المجتمعين لهذا المستنقع، هو كذلك صراع بين شخصين من مذهبين الكراهية بخرت من قلبيهما الإيمان، فجرا أتباع مذاهب الإسلام لمستنقع الكراهية، فيما الإسلام منذ 14 قرنا يخبرنا «ولا تزر وازرة وزر أخرى»؟