دخلت السجون أكثر من مرة. دخلتها في المملكة ودخلتها في أمريكا أثناء دراستي. ولكني بحمد الله وفضله دخلتها زائرا غير مقيم.. فقد أتيح لي أن أجري بعض البحوث على صحة المسجونين وتغذيتهم ومشاكلهم النفسية. السجون أحد أغراضها الإصلاح والتهذيب. ولكني أتحدث هنا من خلال تجربتي الشخصية. السجون يمكن أن تكون في الوقت نفسه حاضنة للجريمة. لا أقصد بهذا أن أقلل من الجهود التي يبذلها المسؤولون عن السجون في إصلاح وتهذيب المسجونين. ولكن بيئة السجن من حيث هي، ورفقاء السوء من حيث هم قد يصوغون من المجرم البسيط مجرما خطيرا. وجدت من خلال دراستي للسجون هنا وفي أمريكا أن السجن كثيرا ما تتوفر فيه بين المسجونين تجارة المسكرات والمخدرات والاعتداءات الجسدية والجنسية وقس على ذلك بقية الانحرافات النفسية والخلقية. بل وجدت في بعض السجون أن المرأة المدانة التي ليس لديها من يرعى صغارها يودعون معها في السجن! ولذا كثيرا ما ناديت بأن تستحدث عقابات بديلة للسجن وما أكثرها. لا أعني بذلك كل أنواع الجرائم. فهناك جرائم يجب أن يودع المدان فيها وراء القضبان لحماية المجتمع منه مثال ذلك جرائم العرض والجرائم المنظمة والسطو المسلح. في المقابل هناك جرائم لا يفيد المجتمع فيها من زج المسجون في زنزانة إذا استطاع أن يصلحه ويهذبه ويعاقبه وهو خارج بيئة السجن. من هذه الوسائل أن يفرض عليه العمل في شأن من الشؤون التي تفيد المجتمع مثل رصف الطرق وتمديد الإنارة وزراعة الأشجار واستصلاح الأراضي. ولما كان أحد الأهداف الأساسية من السجن هو الحد من حرية المدان بما في ذلك من عقاب نفسي له فيمكن أن يتم ذلك بأن يحاط معصمه بسوار إلكتروني يطلق إشارة إنذار لو تحرك خارج دائرة محدودة. أما إذا لم يستجب لهذه الإجراءات (ولم ينعدل حاله) فزنزانة السجن في انتظاره. أو كما قالت العرب «آخر الدواء الكي» أعاذنا الله وإياكم من السجون والزنزانات.. ويا خفي الألطاف الطف بنا مما نخاف.