ظاهرة خطيرة باتت مُلاحظة منذ العام الماضي، فبعض من يعدون أنفسهم أكاديميين متخصصين في الشريعة ظاهرة خطيرة باتت مُلاحظة منذ العام الماضي، فبعض من يعدون أنفسهم أكاديميين متخصصين في الشريعة، ووعاظا معروفين، باتوا ينتهجون نهجا غريبا بما يروجونه بين الناس من سلوكيات أخلاقية شاذة ليست من الإسلام في شيء، تتمثل في شرعنة "البذاءة"! أي إباحة استخدام الألفاظ البذيئة والسلوكيات العنيفة ضد من يختلفون معهم فكريا أو فقهيا في ظلّ ما يقومون به من تصنيف الناس بحسب مقاساتهم الفقهية الضيقة، مبتدئين بأنفسهم في استخدامها وهم قدوة لمن يتبعونهم، مشجعين العامة على استخدامها، دون توجيه منهم أن هكذا بذاءة ليست من أخلاق المسلم الذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". بتنا نسمع من دعاة ووعاظ وأكاديميين شرعيين، توزيع الألقاب على الناس، فيقول: هذه "عاهرة" وهذا "فاسق"، فيما يقول الثاني بجواز الدعاء على الناس بالسرطان، وترى الثالث يهدد المختلفين معه حسب مقاساته المتطرفة بالنار! وتراهم يقرؤون ويسمعون السباب والشتائم البذيئة التي تخدش الحياء، فلا يقولون للعامة هذه ليست من أخلاق المسلم، بل يسكتون على هذا الكم من البذاءة اللفظية والكراهية المتطرفة، وليس هذا إلا موقفا منهم يفهم بتشريعهم لل"بذاءة" وهو طريق للفساد الديني، وهو أمر خطير، لأنه ليس من أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولنا فيه أسوة حسنة في تعامله وسيرته العطرة. ويبدو أن هناك من يعتقد بأن الشيطان لا يعرف طريقه إلا للمنحرف أخلاقيا الذي لا يُعرف عن ظاهر سلوكه العبادة، وأن مهمته في الغواية تتوقف عند أمثاله، وهذا غير صحيح؛ فهو يجري مجرى الدم من ابن آدم، وقد أضل آدم عليه السلام فأنزله من الجنة، أفلا يضل داعية أو أكاديميا أو واعظا مشهودا له بالتدين، بل ما أسعد هذا الشيطان و"يا هناه" حين يعرف طريقه لعالم أو داعية، يُزين له طاعته وعبادته وعلمه، ويصل به إلى منزلة التنزيه والغرور حتى التجرؤ على الله تعالى واختصاصاته بين عباده، فيتألى هذا ويزعم أن غازي القصيبي مات بالسرطان لأنه دعا عليه ويهدد غيره، ويوزع آخر مفاتيح الجنة والنار على فلان وفلان والعياذ الله، ويسمح ثالث لنفسه بالتفتيش في ضمائر الناس وعلم الغيب فيرميهم بالكفر، وكل هذا ما هو إلا "تدين فاسد"، يفرح به الشيطان الذي يحذرون منه، ويصبح هؤلاء يروجون الفساد في ثياب "تطرف ديني" يُلبس على الناس الحق بالباطل، ويفرقهم، ففريق يضل طريق الدين بسببهم، وفريق يبحث عن الحور العين عبر الجرائم، وينسى الجميع أن نبيّ هذه الأمة قال: "إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق". باختصار؛ ليس أسوأ ولا أضرّ على الإسلام العظيم من عالم وواعظ اغترّ بطاعته، فنزه نفسه ولم يخجل من الله تعالى، واحتكر الدين في هواه، وهؤلاء هم الذين نراهم اليوم بكثرة والعياذ بالله.