ناقشنا في مقال الأحد الماضي تجربة ألمانيا والتي تحقق مداخيل مالية من اقتصادها الثقافي تقدر ب 126 مليار يورو سنوياً، ونجحت في تدشين أكثر من 238 الف منشأة ثقافية تعمل في فلك اقتصادها الثقافي والتي جزء من تلك المنشآت بحسب التصنيف الألماني مبدعون وفنانون يعملون لحسابهم الخاص حيث نجحت ألمانيا بامتياز في الحفاظ على قدراتهم العقلية وتنمية إبداعاتهم بتأمين مصادر دخل لهم دون أن يضطروا إلى تقليم إبداعهم بالانجراف في الأعمال البيروقراطية في قطاعيها العام أو الخاص وهو ما يحتم علينا السعي الحثيث لتأسيس قطاع ثقافي اقتصادي سعودي يكون قادرا على توفير فرص عمل للمبدعين وللأجيال بدلا من الضغط عليهم أو على القطاع الخاص لتوظيفهم في أعمال أو قطاعات اقتصادية لا يرغبوها، أو هي من الإبداع ببراء كقطاع الإنشاءات أو التجزئة، كل ذلك يحتم علينا استخلاص أفضل التجارب العالمية الناجحة في الاقتصاد الثقافي والعمل على تنفيذها وبشكل عاجل قبل تفاقم أزمة البطالة. إن أولى أولويات تأسيس قطاع اقتصادي ثقافي أو قطاع الثقافة والإبداع - كما يسمى أحيانا - يبدأ بتقييم واقع القطاع الحالي من حيث عدد الفرص الوظيفية الحالية في قطاع الثقافة بفروعه كالإعلام والإعلان والإنتاج التلفزيوني والترفيه ومختلف مسارات الثقافة وعلى أن تقوم بيوت الخبرة العالمية أو المنظمات الدولية العالمية المعنية بالثقافة كاليونسكو بتقييم الأثر الاقتصادي للاقتصاد الثقافي على الاقتصاد السعودي وتقييم مقدار مشاركته الحالية في الناتج المحلي الإجمالي ونسب النمو المتوقعة في القطاع في حال تم الاهتمام بالقطاع ما يفتح الباب لأن تكون الثقافة رافدا من روافد التنمية إضافة إلى أدوار الثقافة الحضارية العريقة في مسيرة أي أمة متقدمة أو تسعى للتقدم. إن المطلوب الآن إرادة وإدارة بعد تقييم الواقع الحالي تتمثلان في توفير التشريعات الضرورية لإطلاق مشروعات ثقافية ربحية كتطوير صناعة السينما والاستفادة من تجربة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في تطوير صناعة الألعاب الثقافية التعليمية الترفيهية للأجيال، والاستفادة من قدرات الشباب المبدعين لاسيما في الإعلام الجديد كتلك التي تعرض على موقع اليوتيوب وتوفير التمويل اللازم لها للتحول للصناعة إضافة الى إعداد استراتيجية وطنية للفنون تشارك في صياغتها أمانات المدن ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي ووزارة الثقافة والاعلام ممثلة في وكالة الوزارة للثقافة، كي يكون دور الاولى استحداث صالات للفنون وتسمية شوارع باسماء رواد الفنون وإضافة مجسمات جمالية تحمل أعمالا لرواد سعوديين، وعلى ان يكون دور وزارة التربية والتعليم تطوير مناهج التربية الفنية، والتعليم العالي ممثلة بالجامعات باستحداث كليات متخصصة بالفنون الجميلة بالاستفادة من من تجارب كليات الفنون العالمية ككلية الفنون الملكية البريطانية، وكلية سليد للفنون الجميلة وغيرهما، إضافة إلى تنظيم معارض دولية متخصصة بالفنون، وكذلك التصوير الضوئي والذي لطالما شغل شغفه شريحة واسعة من الشباب والفتيات ولمعاجلة ذات الوعي في الأجل الطويل، وعلى ان يكون دور وكالة وزارة الثقافة والاعلام للثقافة يتمثل في حصر المبدعين العاطلين عن العمل في مختلف مجالات الفنون والابداع وتنظيم مؤتمرات دولية متخصصة في الفنون، وتأهيل الفنانين لبيع إبداعاتهم إضافة إلى إعداد مسوحات ميدانية لمختلف مجالات الإبداع حيث في الولاياتالمتحدة يعون عدد الفنانين والبالغ عددهم 30 الفا، وفي أستراليا لديهم مسوحات تسهل تقديرات متوسط مداخيل الفنانين والعاملين في مختلف مجالات الفنون والإبداع. المطلوب الآن خلق سوق للإبداع فمن غير المنصف في حق الوطن وأجياله أن ندع قدرات المبدعين العقلية تتدهور نتيجة لتعريضها لشتى أنواع السلوك الذي يحرمها تنمية الإبداع، وأن لا تكون نواة لتقدم وريادة فماذا أنتم فاعلون؟