عام 2002 زار الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمده الله بالصحة والعافية، عندما كان ولياً للعهد، عدداً من الأحياء الفقيرة في الرياض، فكان ذلك إيذاناً واعترافاً من الحكومة بأن الفقر في البلاد ليس حالات فردية، بل قضية ينبغي تعاون الجميع من أجل إنهائها، ومنذ ذلك العام حتى هذه اللحظة، والصحافة السعودية تتناول الفقر وتنتقد اتساع دائرته في دولة نفطية كبرى، لم تخف الحكومة رأسها في الرمال، ولم يتقاعس الإعلام عن القيام بدوره، وتحديداً هنا في صحيفة ""الاقتصادية"" نشرنا عددا من التحقيقات المأساوية عن حالات يتفطر لها القلب والعقل والوجدان، وكذلك فعلت باقي الصحف السعودية.. لكن ما مناسبة هذا الحديث؟ نشرت صحيفة ""الواشنطن بوست""، كبرى الصحف الأمريكية، تقريراً أعده مراسلها كيفين سوليفان، احتوى التقرير على مغالطات عدة وأخطاء مهنية كارثية، لا تصدر من صحيفة بحجم ""الواشنطن بوست""، تعد مرجعاً للمصداقية والمهنية لجميع الصحف في العالم، فلا ضير من نشر تقرير أو ألف عن الفقر، فهذا ما يفعله كثير من وسائل الإعلام المحلية والدولية، ولا ضير أيضاً من توجيه النقد لأي قصور في هذه القضية، بل هو أمر مطلوب إذا ما أردنا فعلاً حل مشاكلنا وقضايانا، وليس على طريقة كل شيء تمام، إلا أن اللافت هو افتقاد التقرير أبسط المعايير للحكم، وببساطة أن الفقر ظاهرة تجتاح السعودية، أو كما أشار التقرير إلى أن ""الملايين في السعودية يعيشون في الفقر"" و""يعانون شظف العيش""، و""الناس في حالة جوع""، ووصل التقرير إلى أن ""ربع السعوديين"" فقراء، أما الطامة الكبرى وهي أن الفكرة الأساسية التي اعتمد عليها التقرير هي حوار معده مع أسرة فقيرة انطلق منها لاكتشاف ""ملايين الفقراء من السعوديين""، لنفاجأ بأن هذه الأسرة ليست سعودية من الأساس. بكل تأكيد لا يعني ذلك أن يعالج الفقر للسعوديين ويترك غيرهم، إلا أن بناء القصة بأكملها يفتقر إلى المهنية التي تعودنا عليها من هذه الصحيفة العريقة، ناهيك عن اعتمادها على أرقام و""تقديرات خاصة"" دون الإشارة إلى مصدر هذه التقديرات وهي ترمى جزافاً في صحيفة مرموقة تعتمد عليها جهات دولية في استقاء معلوماتها. لست من أصحاب نظرية المؤامرة، وأن هذه الصحيفة، أو غيرها، تستهدف السعودية، مثلاً، لكني مؤمن بأن مثل هذه التقارير في وسائل إعلام عالمية يرسل رسائل غير صحيحة إطلاقاً، ولن أقل كاذبة، ويبقى تأثيرها السلبي عالقاً بأذهان المتلقين، ليس عن قضية الفقر فحسب، بل عن البلاد وأهلها، ولا يمنع أن أكرر رأياً قلته سابقا: إن أكبر عيوب الإعلام العالمي تناوله القضايا المحلية عن بُعد أو عن طريق مراسلين لا يفهمون طبيعة المجتمعات التي يكتبون عنها، وإلا هناك بعض من الشباب قام بإعداد تقارير عن الفقر وبثها عن طريق ""اليوتيوب""، وربما كانت مصداقيتها وموضوعيتها أفضل ألف مرة من تقرير ""الواشنطن بوست"". أخيراً هل في السعودية فقر؟ بالتأكيد نعم، ولا ينكره أحد.. ومن الضروري الاستمرار في نقد كل مظاهره حتى يتقلص عدد الفقراء في السعودية إلى أقل عدد ممكن، لكن لنكن موضوعيين في هذا الجانب، ونذكر كذلك أنه حتى في هلسنكي وأوسلو، وهما من أغنى العواصم العالمية، نشاهد المتشردين ينامون على الأرصفة ويلتحفون السماء لمواجهة البرد القارس القاتل.. القصة وما فيها أن مبالغات ""ربع السعوديين فقراء"" لا تختلف كثيراً، في تأثيرها السلبي، عمّن يهونون من قضية الفقر في بلادنا.