رغم التطور الهائل في وسائل الاتصال، وكم المعلومات التي تتوافر لكل المسؤولين على المستويات كافة عن أهمية العلاقة مع المجتمع والمسؤولية تجاه وسائل الرقابة الرسمية وغير الرسمية. رغم التأهيل العلمي الذي يحمله الكثير من مسؤولينا، وتخرجهم في أرقى الجامعات وبأعلى الشهادات. ورغم الارتباط المباشر بين المسؤولين والدول المتقدمة واطلاعهم على العلاقة التي تربط المسؤول بالمجتمع هناك. رغم ما نسمعه من مثاليات وما نقرؤه من عبارات مؤداها الحرص على المواطن، ورغم كونها منشورة على مباني الجهات الخدمية والمستشفيات بشكل خاص. رغم كل هذا ما زال الكثير من المسؤولين يعتقدون أنهم يديرون إقطاعيات أو عِزبا يجب أن يقدم لهم العمال فيها فروض الولاء والطاعة كل يوم، وألا يدخلها إلا من يعجبهم ولا يتدخل في شؤونها أحد من الخارج. هذا التفكير الغريب في هذا الوقت بالذات لا يمكن أن نقبله من أشخاص تم توظيفهم لخدمة المواطن. لا يمكن أن يصدر من شخص يتخذ من أمريكا وأوروبا مراجع علمية ومهنية له كالسادة المحترمين العاملين في القطاع الصحي. يستدعي مفهوم الوظيفة العامة مجموعة من الالتزامات التي حددها النظام والقانون في كل دول العالم. فالموظف العام ينفذ مهام خدمة مواطنيه من خلال تنفيذ واجبات ومسؤوليات تحت سيطرة النظام، والجهات التي يرتبط بها إدارياً. لكنه يخضع كذلك للسلطة الرابعة وهي الإعلام، وأعلى أعضائها ""صاحبة الجلالة"" كما تسمى وهي الصحافة. الصحافي يمثل الضمير العام، ويبحث فيما يسيء إلى المواطن ليكشفه للمسؤول وللرأي العام الذي هو في النهاية من يحكم ببقاء أو انتفاء الحاجة إلى الموظف العام في الوظيفة التي استؤمن عليها من قبل ولي الأمر. هناك الكثير من الشواهد التاريخية التي ترينا أثر هذه السلطة في تكوين الرأي العام والتأثير في القرارات المتخذة ولعل أهمها قضية ووترقيت التي اتهم فيها الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بالتنصت على منافسيه في الحزب الديمقراطي. فبعد معركة قانونية طويلة, ألزمت المحكمة العليا الأمريكية الرئيس أن يسلم الأشرطة التي تحتوي محاولات التغطية على عمليات التنصت تلك. بطل القصة شخص لقب ""بنافخ الصافرة Whistleblower"". أبلغ نافخ الصافرة أحد الصحافيين بفضيحة ووترقيت، ومنها انطلقت شرارة البحث والتحري والتحقيق والمحاكمات التي وقع ضحيتها 43 موظفاً من كبار معاوني الرئيس نيكسون، وانتهت بفقدان الرئيس منصبه، ليصبح أول رئيس أمريكي يقدم استقالته من هذا المنصب. الصحافة أسقطت حكومات وتسببت في كشف قضايا فساد وجرائم كبرى. تنتج الصحافة كلما كانت أكثر حرية، وكان المجتمع أكثر ثقافة ووعياً. هذا يوضح التقدير العالي الذي يتمتع به الصحافيون في دول العالم الأول. هذه الصحافة هي المُعين للمسؤول إذا كان مستقيماً وراغباً في تطوير ذاته والقطاع الذي يديره. أما إذا كان العكس، فالصحافة ستكون له العدو اللدود. أثارت الصحافة السعودية خلال الفترة الماضية الكثير من القضايا التي شغلت الرأي العام، وضمنت له أن هناك من يراقب العمل ويسهم في كشف وتصحيح الأخطاء. ركزت الصحافة على القطاعات الخدمية باعتبارها ترتبط بالمواطن بشكل مباشر. يذكر الجميع قضايا توفر الأدوية وكراسي الغسيل الكلوي ومشاكل دور الرعاية الاجتماعية ومحاربة ارتفاع الأسعار ومشاكل السكك الحديدية، وهي بعض مما تناولته هذه السلطة ونورت الرأي العام حوله. إن تفاعل المسؤول مع الصحافة يستدعي اطلاع الجميع على المعلومات بشفافية فيما يتعلق بنشاطات القطاع الذي يديره والخدمات التي يقدمها، والمشاكل التي تحدث وما يتم حيالها. هذا التفاعل تم تأطيره سابقاً من خلال التعليمات التي أقرها مجلس الوزراء بأن يكون لكل وزارة ومؤسسة ومرفق خدمة متحدث رسمي يوصل المعلومات ويتفاعل مع الجهات الإعلامية المختلفة بشكل احترافي، ويقدم المعلومات التي تهم المواطن ويبين موقف الجهة التي يمثلها. مع كل هذا الزخم الرسمي والشعبي والعالمي، أستغرب أن يكون هناك مسؤول لا يزال يعتقد أن الصحافة يجب ألا تتدخل في اعتداء أشخاص على موظف في مرفق عام كمستشفى مثلاً. يقول مدير مستشفى الملك فيصل – حسب رواية صحيفة ""سبق"" الإلكترونية – إن الصحافة تحشر أنفها في أمور لا علاقة لها بها، وتعدى ذلك للقول إن الصحافة لا تملك مصداقية. في كل الأحوال، لا بد أن نذكر سعادته أنه موظف عام، وأن المستشفى الذي يديره مرفق عام وما يحدث فيه من سلوكيات ومشاكل يقع تحت مرأى ومسمع المواطنين ويؤثر فيهم، فكيف لو كان يدير منشأة أو قطاعاً بعيداً عن أعين الناس. لا بد أن تتقبل يا سعادة المدير وأنت تحمل الدرجات العلمية العليا أن الصحافة هي عين المواطن والمسؤول وأنها تخضع لحكم الرأي العام، وهو الوحيد الذي يحكم على مصداقية الإعلام من عدمها. وهو المفهوم الذي يجب أن يتبناه الجميع. المؤمل أن تستمر الصحافة في الكشف والإنذار والتغيير. كما أن المؤمل كذلك أن يتفهم المسؤولون على مختلف المستويات أن دور الصحافة سيتضاعف ويسيطر مع الإعلام الجديد الذي يمثله انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والصحافة الإلكترونية. هذا الانتشار تعززه وسائل الإعلام الأخرى كالتلفزيون والإذاعة، وهما عنصران مهمان أيضاً في تكوين الرأي العام وحماية المكتسبات.