ألفنا على ترديد أو تسمية الصحافة بلقب صاحبة الجلالة لما لها من أثر فاعل في إحداث متغيرات جوهرية في أي نظام، والتسمية والأثر الذي تحدثه قادمان من الدول الأوروبية وليس من عالمنا العربي، حيث أتفق مع الصديق الدكتور علي موسى في مقالة نشرت قبل أيام يراهن فيها على أن الصحافة لم تستطع إقالة أي مسؤول أو دفعه إلى الاستقالة مهما كشف من فساد في محيطه الذي يتواجد فيه. والصحافة على مر تاريخها مثلت جانبا مهما من عملية الكشف حتى وصلت لأن تكون ضمير الأمة وموجهة للرأي العام. ولأنها سلطة فقد حملت داء السلط وخاصة السلط القمعية أو ما نسميها بالدكتاتورية حين تعتمد على النظام الشمولي والذي يقدم على تثبيت أركانه بكل الوسائل، فبعد استخدام العنف مع معارضيه يستخدم القوى الناعمة مع من لا يستطيع تهشيم عظمه من خلال الرشوة أو الهدايا أو الاستقطاب أو التزلف. وأهم عنصر لدى السلطة الشمولية التنصت على محيطها لمعرفة كل ما يدور حولها، وإذا آمنا أن الصحافة بلغت مرحلة النظام الشمولي فسوف نفهم ما حدث من امبراطورية روبرت مردوخ. فهذه الامبراطورية الإعلامية وصلت إلى درجة اليقين الكامل بأنها فوق الجميع، وأن الجميع مادة لها، ولايجرؤ أحد على معارضتها أو مساءلتها وكما يحدث في الثورات كونها تأتي مفاجئة وغير متوقعة حدث للامبراطورية الإعلامية تلك الثورة التي أطاحت إلى الآن بأعداد كبيرة في مواقع مختلفة وألهبت مشاعر المتضررين من حكمها على رقاع واسعة من العالم؛ لأن الوقت سانح لرفض تدخل الصحافة في كل جزء من الحياة العامة والخاصة. وظهرت الأصوات التي تذهب إلى (أن تركز سلطة بهذا الشكل بأيدي شخص واحد أمر غير سليم ويؤدي إلى تجاوزات للسلطة داخل منظمته) والمقصود طبعا مردوخ. وتحاكم الصحافة الآن من خلال شخصية مردوخ ليس لكونه فردا نافذا ومالكا لأضخم بنية إعلامية بل لكون أخلاقيات العمل الصحفي تحولت من الوقوف مع القيم النبيلة إلى خلق فساد عام وصل إلى التنصت على الجميع من غير استثناء لدرجة أن تصل إلى فتاة مراهقة لا يعني العالم من مراهقتها شيئا. وكما كان حريق بوعزيزي فاتحة للربيع العربي كان التنصت على مكالمة الفتاة المراهقة الربيع العالمي لمواجهة ديكتاتورية الإعلام وتدخله في كل صغيرة وكبيرة حتى بدأ الناس يشعرون أنهم سجناء إعلام لا يمكن لهم ممارسة حياتهم من غير خشية أن يتدخل في حياتهم العامة أو الخاصة. ولو انسقنا لفكرة تشابه الأنظمة السياسية الشمولية وامبراطورية الإعلام وانتقال العدوى، فهل يمكننا تشبيه ما تقوم به تلك الأنظمة من الإقدام على قتل معارضيها أو من تسبب في إحراجها مع ما حدث للصحافي الذي وجد مقتولا في منزله وكان من أوائل من أثاروا فضيحة التنصت في صحيفة نيوز أوف ذي وورلد التابعة للناشر روبرت مردوخ. لو تطابقت الفكرة يمكن أن يقود موت ذلك الصحافي إلى انهيار حقيقي لمملكة الإعلام.