هل نحن، أبناء الخليج العربي، وبالذات شعوب مجلس التعاون، على علم بما يخبئه لنا المستقبل بعد انحسار دخل النفط؟ والله نشك في ذلك! بل نجزم بأن الأكثرية الساحقة من هذه الأمة لا تدرك ما لها وما عليها، وليس من أدنى اهتماماتها التفكير في مصيرها ومصير أجيالها عندما تختفي المداخيل النفطية الضخمة التي نعيش عليها اليوم. ونحن نتحدث هنا عن بضعة عقود من عمر الزمن. والسبب بطبيعة الحال هو أننا أوْكلنا جميع أمور حياتنا ومصدر معيشتنا إلى مصدر واحد ناضب، وأسرفنا في استهلاكه (أو قُلْ في إهلاكه) إلى حد كبير. والشاهد على ذلك أننا أصبحنا مجتمعا استهلاكيا بامتياز ونستورد كل ما نحتاج إليه من أكل وملبس ووسائل النقل والأثاث والأجهزة المنزلية والترفيهية، حتى العمالة الأجنبية التي أنهكت اقتصادنا وتسببت في تفشي مرض السكري في أبداننا عندما أوكلنا إليها القيام بأعمالنا اليومية. ونحن، إن لم نكن عاطلين عن العمل، فعقولنا مُعطَّلة حتى إشعار آخر! أين الرجال المخلصون الذين يملكون ولو جزءاً يسيراً من بُعد الرؤية وحسن التصرف، لينقذوا هذه الشعوب من مصيرها المحتوم قبل فوات الأوان؟ هل نحن، والعياذ بالله، أمة لا يهمها إلا ما تأكل وتشرب، ولا تُفكر في غدها؟ حاشا لله. فنحن ولا فخر أحفاد أجيال استطاعوا بقوة التحمُّل والصبر والعزيمة العيش على مدى التاريخ فوق أرض هذه الصحراء القاحلة المعروفة بشح الموارد. فلماذا لا نعيد ذكريات الماضي ونفكر فيما يعود علينا بالخير ويبعدنا عن زلات الزمن؟ نحن ندرك تماماً أن هذا الكلام قد لا يُعجب الكثيرين من أفراد مجتمعاتنا التي غيَّبت الرفاهية طموحهم وصرفت أنظارهم عما يجري حولهم من مُتغيِّرات الأمور، وعلى وجه الخصوص فئة الشباب، حتى إنك لتشعر بأن الأغلبية منهم تعتقد أن السماء تمطر على البلاد ذهباً وفضة، فلماذا "نشيل" هم المستقبل؟ رضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب ومقولته المشهورة. نوجه هذا النداء إلى العقلاء من المسؤولين الغيورين على مصير شعوبهم وأمتهم، الذين في أيديهم زمام الأمور وهم أصحاب القرارات المصيرية: ألستم على علم بأن هذه الشعوب التي تُطل على الخليج العربي من الكويت إلى عُمان لا تملك من مصادر مقومات الحياة إلا النفط، وليس شيئا غير النفط؟ نعتقد أننا جميعاً مُتفقون على ذلك. ونحن أيضا دون شك متفقون على أن النفط ثروة ناضبة ولا جدال في ذلك. لكن، هل الكل متفقون على المدة التي سيستغرقها النضوب الذي بعده يتوقف الإنتاج المجدي اقتصادياًّ؟ الجواب بطبيعة الحال، لا، وليس ضرورياًّ أن نتفق على حالة نسبية. فسواء هبط الإنتاج إلى مستويات غير اقتصادية بعد 40 سنة أو بعد 80 سنة، فالمهم أن الهبوط أمر واقع لا محالة. وهذا هو جوهر القضية. فلماذا لا نخطط لما بعد النفط من اليوم ما دمنا نملك الإمكانات المالية بين أيدينا، بدلاً من صرف فوائض ميزانياتنا على مزيد من وسائل الرفاهية والمِنح التي لا تعود على مستقبلنا بمردود إيجابي؟ ألا تلاحظون أن مواطني دول مجلس التعاون، من بين شعوب العالم الغنية منها والفقيرة، أصبحت أمة كسولة مترهلة، دون تعميم؟ هل تعلمون لماذا وصلت بنا الحال إلى هذا المستوى من عدم الإنتاجية والاعتماد على الغير في جميع شؤون حياتنا؟ بسيطة!! إليكم بعض الأسباب: هل يخلو بيت من بيوتنا من سائق وعاملة منزلية أو عاملتين؟ لقد أصبحت هذه من خصوصياتنا ننفرد بها عن بقية شعوب العالم. وهل يمر علينا صيف واحد دون أن تذهب العائلات الموسرة إلى خارج البلاد في رحلة سياحية مُكلِّفة بسبب المباهاة والحديث عن الرحلات والأكلات بعد العودة؟ وهل لاحظتم أن عدد المركبات التي تقف أمام بيوتنا يكون عددها مساويا لعدد أفراد العائلة زائدا واحدة؟ لأن الأولاد الله يحفظهم كل منهم يريد أن يمتلك مركبة لا يشاركه فيها لا أخ ولا أخت. وحتى الأم التي عادة يكون لها الفضل في شراء مركبة الابن لا يُمَنُّ عليها ولا برحلة واحدة إلا بشق الأنفس. هل هذه من علامات الشعوب الحية التي تريد لنفسها حياة كريمة مستدامة؟ اقرأوا مناهج الدراسة عندنا، من أول ابتدائي إلى نهاية الدراسة الجامعية. لن تجدوا فيها سطراً واحداً يتحدث عن نضوب النفط ولا عن كونه المصدر الوحيد اليوم للدخل العام وعلى عن أهمية العمل الجاد والطموح ومحاولة اللحاق بالأمم المتقدمة وتحديات المستقبل. ومن وجهة أخرى، نجد أن أكثر من نصف المواد في مدارسنا من دون مبالغة حشوا لا فائدة منه. وما زلنا، بعد أكثر من 75 عاماً من المسيرة التعليمية الحديثة، نمارس طريقة التلقين في المراحل الأولية من التعليم، فيتقدم الطلاب إلى المراحل التعليمية التالية وهم لا يحسنون أبسط مبادئ التعبير. نحن في حاجة إلى أخذ العِبَر من الشعوب الجادة التي استطاعت بحنكة وحكمة أن تشق لها طريقاً ناجحاً في الحياة الكريمة، أمثال شعوب ماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا، وشعوب أخرى رغم شح الموارد الطبيعية في بلادها وتعرَّض بعضها لحروب إقليمية وعالمية مُدمِّرة. ولدينا اليوم أفضل مما كان لديهم من الإمكانات المالية والعلمية لو استطعنا التخلص من عقدة الاعتماد على الغير في جميع شؤون حياتنا والتهرب من القيام بالأعمال المهنية التي هي القاعدة الأساسية لأهم طبقة في المجتمع وهي الطبقة الوسطى. نحن في حاجة إلى إذكاء ثقافة الوعي بأهمية العمل. فهل من المعقول أن نستورد أنواعاً وأشكالاً من العمالة الوافدة من أجل القيام بأعمال من الممكن أن يقوم بها شبابنا العاطل عن العمل؟ أين المنطق في هذا؟ وهل نظل على هذه الحال حتى نستنفد جُلَّ ثروتنا القابلة للنضوب؟ وهل هو خافٍ علينا أن العالم يتقدم ونحن نتقهقر، كما يقول أخونا الفاضل إبراهيم البليهي؟ لا نريد أن نقحم أنفسنا في صناعة السيارات والطائرات والإلكترونيات وأخواتها. دعونا فقط نبدأ بأبسط الصناعات وأيسرها وأعلاها مردوداً وأكثرها نفعاً، صناعة الطاقة الشمسية. ما المانع من أن نكون في مقدمة الأمم المستفيدة من هذه الثروة التي لا تنضب؟