عندما تُعلن دولة مثل الصين أنها أحرزت نمواًّ اقتصادياًّ بنسبة 5 أو 10%، نفترض وبدون أي تردد من أول وهلة، ونحن على حق، أن الشعب الصيني استطاع تحسين أدائه عما كان عليه وأنتج خلال فترة معينة أكثر مما كان يُنتج خلال الفترة السابقة بنسبة مئوية موجبة. وكذلك لو أن أيا من الدول التي يعتمد اقتصادها على مجهود أفراد مجتمعها أظهر نمواًّ إيجابياًّ لقبِلنا بذلك وامتدحنا همتهم وإنجازاتهم. أما في بلادنا، وعموم بلدان الخليج، فنحن نعلم أن نسبة من دخلنا العام لا تقل عن 80% تأتي مباشرة من قيمة ما ننتجه من النفط. ومعلوم أيضا أن تكلفة الإنتاج في منطقتنا قليلة جدا. وكمية الانتاج اليومي أو معدل الانتاج السنوي يتغير بتغير ظروف الطلب ومستوى الأسعار. فإذا كان الطلب مرتفعاً والأسعار في أعلى مستوياتها، فمن الطبيعي أن يكون الدخل السنوي مرتفعا عن العام السابق. ثم تُفاجئنا الجهات المختصةً بأخبار تُفيد بنمو الاقتصاد السعودي بنسبة معينة. ونساوي وضعنا كحال الصين على سبيل المثال، مع أن بيننا وبينهم مثل ما بين السماء والأرض. هم أبدعوا وأنتجوا من عرق جبينهم فزادت إنتاجيتهم، وكلهم فخر بذلك. ونحن، وبدون أي جهد منا، فتحنا صنابير آبار النفط الجاهزة، وقسم كبير من أفراد الشعب الله يحفظه ينعم بالرفاهية ومخدوم من المهد إلى اللحد، ونسمي زيادة الدخل نمواًّ اقتصادياًّ. والذي لا يعلم شيئاً عن مجتمعنا قد يرى أننا فعلاً أمة منتجة، ونحن بالأحرى أمة مستهلكة بامتياز. لماذا لا نتمثل بالقول المأثور: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه؟ ونعمل على إيجاد مبادئ اقتصادية تتلاءم مع طبيعة حياتنا، ونجعل أهدافنا تتجه نحو الاعتماد على مجهودنا الذاتي. ونرجو أن لا يُفهم من هذا الكلام أنه تهبيط للهمم أو أنه تنزيل من قدر الشعب السعودي، بل على العكس تماما، فهو تحفيز لطموحاتهم وتنشيط لمجهودهم حتى يصلوا إلى مراتب الأمم التي تسعى لكسب رزقها ومعيشتها بالعمل ولا تعتمد على الغير إلا في أضيق الحدود. وكان الأولى أن نقول بأنه ارتفع دخل نفطنا عن العام السابق بنسبة كذا، ونترك مسألة «النمو الاقتصادي» حتى إشعار آخر، من أجل أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع أمتنا، ولا نكون مضحكة لخلق الله ممن يتتبعون زلاتنا. ولقد ذكرنا في أكثر من مناسبة (http://www.aleqt.com/2011/01/02/article_486095.ht ml وكتب غيرنا من الغيورين على سمعة بلادنا وشعبنا حول هذا الموضوع، وقلنا أن مدخول النفط عندنا لا يصح أن نحتسبه من ضمن الناتج القومي. كما أنه لا يتناسب مع مفهوم النمو الاقتصادي. لماذا؟ ببساطة أن دخل النفط ما هو إلا استهلاك للنفط المخزون في باطن الأرض. وإذا افترضنا جدلاً أن زيادة الدخل من الانتاج النفطي هي زيادة في النمو الاقتصادي، فسوف نستخدم المبدأ نفسه عندما ينخفض الدخل من مبيعات النفط، وهو أمر وارد. فهل في تلك الحالة نعترف بأن لدينا انخفاضا في النمو الاقتصادي؟ وما بالك إذا كان الانخفاض ناجما عن هبوط مستمر، مع تراجع في كميات الانتاج خلال عملية النضوب الطبيعي؟ معنى هذا أننا سوف نعلن في نهاية كل سنة عن هبوط جديد في النمو الاقتصادي إلى ما شاء الله. ولن يكون لدينا ما نفتخر به إلى الأبد، لأنه من المستحيل أن نجد ما يُعوِّض لنا نفطنا خلال المستقبل المنظور. والوضع الأمثل هو فك ارتباط الناتج القومي والنمو الاقتصادي عن دخل النفط. ومن ثم نبني مسألة الناتج القومي (الحقيقي) على إنتاج اليد العاملة السعودية كمقياس لتقدمنا والاهتمام بنمو هذا القطاع وحده. ولو كان الأمر بأيدينا، لفصلنا حتى ناتج العمالة الأجنبية عن الناتج المحلي، بحيث يكون هدفنا هو تشغيل اليد العاملة الوطنية وقياس كفاءتها. فنحن الوحيدون في العالم، بدون مبالغة، الذين يعتمدون على العمالة الأجنبية في جميع أنواع الحرف اليدوية والمهنية والإنشائية والصناعية والخدمية بنسبة تفوق 95%، وهذه نكبة قومية. ثم نزيد الطين بلة ونعلن على الملأ أن اقتصادنا القومي ينمو بنسبة مئوية مرتفعة، في الوقت الذي تعاني فيه معظم دول العالم ، الذين هم أفضل حالا منا بمئات المرات، تباطؤا خطيرا في نمو اقتصادها. ولماذا لا نتمثل بالقول المأثور: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه؟ ونعمل على إيجاد مبادئ اقتصادية تتلاءم مع طبيعة حياتنا، ونجعل أهدافنا تتجه نحو الاعتماد على مجهودنا الذاتي. فنحن نعيش فوق أرض صحراوية خالية تماماً من جميع مقومات الحياة، إذا انتهى عصر النفط وغارت المياه، وكلنا نعلم أنها مصادر قابلة للنضوب. والثروة الوحيدة الثمينة التي منحنا الله سبحانه وتعالى إياها هي العقول الكبيرة التي نستخدمها للتفكير في مصيرنا، وجعل مصيرنا بأيدينا. فهل نعي ذلك ونحسن التصرف قبل أن نجد أنفسنا ضحية لغفلتنا وكبريائنا؟ ولعل البعض يتساءل، عن جدوى إثارة مثل هذه المواضيع. إلا أننا نعتقد أن إثارتها لها أهمية كبرى في صنع مستقبلنا. فنحن اليوم نتأقلم مع وضع غير طبيعي، يتمثل في حصولنا على مصدر للدخل لا يكلفنا تقريباً أي مجهود، ونعلم في الوقت نفسه أنه مصدر غير دائم. أي أننا، وبحكم الثروة الكبيرة التي تنهال علينا، أصبحنا شعبا غير منتج. وبدون إنتاج وعرق جبين، لا يكون هناك نمو اقتصادي له طعم. ثم نتفاجأ، ونحن نغط في نوم عميق، أن اقتصادنا ينمو بنسبة كبيرة. أي نمو هذا الذي يتحدثون عنه؟ ولو سلمنا بهذا المنطق، لما وجدنا هناك ضرورة للكد والعمل، ما دام أن اقتصادنا سوف ينمو ونحن لا نزال نمارس هواية الكسل والخمول. وهو بالمناسبة، من مساوئ الدخل المتضخم الذي يزيد عن حاجتنا المعقولة. شعبنا بحاجة إلى منْ يقول له قم واعمل ولا يغرنكم النمو الزائف، ونستحضر هنا قول الشاعر: أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم [email protected]