د. حسن بن فهد الهويمل - الجزيرة السعودية من التأويلات المضحكة المبكية - وشرُّ البليّة ما يُضحك - قول “الكليني" الشيعي، في تفسير قوله تعالى: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ، أي :- “إذا غاب عنكم إمامكم، فمن يأتيكم بإمام جديد". وحين نستعير بعض تلك الآية التحذيرية، لمعالجة معضلة اقتصادية، فإنما نعني ما نريد. ف[دول الخليج العربي] يشكِّل النفط لمجمل كياناتها، ما يشكِّله الماء لكلِّ وجوه الحياة الإنسانية، ثم هي إلى جانب الاتكالية، لا تتوفر أرضها على مقوّمات الحياة السَّويَّة، فهي في مجملها صحراء مشمسة. وحين يتجذّر النفط في حياتنا بهذا القدر المخيف، وعلى هذه الأوضاع المفْضُولة، فإنّ علينا أن نفكر ونُقدِّر، لكيلا نظل مرتهنين له، بحيث نكون معه وجوداً وعدماً. وإذ يصطلح الخليجيون مع أئمتهم، وولاة الأمر فيهم، فإنهم مضطرون إلى التفكير في تعدُّد مصادر رزقهم، ومن الخير لهم تنويعُها، وتوازن هذا التنويع، وإشاعة ثقافة الاستهلاك المرشّد، فالمستفيض عن الخليجيين البذخ، والتبذير، واستنزاف الثروات بنهم شديد. والعقلاء المجرّبون من الناس استباقيون، يضعون لكل احتمال خطته، قبل حدوثه، حتى لا تروعهم المفاجآت، فيهتاجون عُزْلاً من كلِّ الواقيات. ثم يكونون كذلك العَلِّ الأَلفَّ، الذي عناهُ الشاعرُ بقوله: [ولستُ بِعَلٍّ شرُّه دونَ خيرِهِ.. أَلَفَّ إذا ما رُعْتَهُ اهتاجَ أعْزَلُ] والكوارث، والمصائب، والأزمات، التي تجتاح العالم، لا يقتصر حُدوثُها، ولا ضررها على المتسبّب وحده. والذِّكر الحكيم يناشد المؤمنين اتقاء الفتن التي لا تصيبنَّ الذين ظلموا خاصة. كما أنّ الكوارث الطبيعية لا تكون بالضرورة نكالاً، ولا عقاباً. إذْ ربما تكون ابتلاءً، للنظر في أسلوب المواجهة. أيصبر المبتلى، ويحتسب الأجر على الله، أم يجزع، ويناكف القدر؟. ولأنّ الله جَلَّ وعلا يعظ عباده الصالحين بالابتلاء، ليعتبر أولو الألباب منهم، ويعاقب المذنبين بالعذاب للتمحيص أو للإنذار، فقد وجّه بالاستعانة بالصبر والصلاة عند الابتلاء، وهو إذْ علم أن صَدْرَ رسوله، يضيق بما يقول المناوئون، فقد ندب إلى التسبيح بحمده، والسجود له، لتفريج الكربات. والحياة قائمة على الكدح والكَبَد، واللهو واللعب، والكيد والمكر: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، والمؤمن الحق من يكون بين الرجاء واليأس، فلا يأمن مكر الله، ولا يقنط من رحمته. من هنا تَبَدَّى لي هذا السؤال: - ماذا سنفعل، لو غار النفط، أو كسد، أو نُحِّيَ بالبدائل عقاباً، أو ابتلاءً، أو تحذيراً، أو تحوُّلاً طبعياً في الحياة؟. وما الحياة الدنيا في تحوّلاتها إلاّ كالمرآة في كف الأشل. والله وحده الصمد الذي لم يلد، ولم يولد. فكل شيءٍ قابل للتَّغيُّر والتبدل، وكل حَدَثٍ متوقّع. وليس من باب التشاؤم أن نضع في حسابنا مثل هذه الاحتمالات. والماء الذي جعل الله منه كلَّ شَيْءٍ حي قابلٌ للنضوب، ونحن - ومن باب الاحتياط - نحاول إشاعة ثقافة الترشيد، قولاً وعملاً، وذلك أضعف الحلول، لمواجهة التصحُّر. والمعنيون يخوِّفون الناس، ويستحثُّونهم على حفظ الثروة المائية. إذاً نحن أمام احتمال نضوب الماء، ولم يستبعد أحد مِنَّا هذا التخوُّف، حتى الغرب يتطوّع بتحذيرنا، وما أحد حذّرنا من نضوب النفط، مع أنّ نضوبه أكثر احتمالاً من نضوب الماء، والخبراء متفقون على نضوب النفط، مختلفون حول نضوب الماء. فلماذا نصاب بالهلع من نضوب الماء؟. والله قد دحى الأرض، وأخرج منها الماء والمرعى. وفي فترة من فترات الاندفاع غير المحسوب، استُدْرِجت إمكانياتنا، لنكون مصِّدرين للقمح، مستوردين للمعدّات الزراعية. وبدون مقدِّمات، أصبحنا مستوردين للقمح، مصدِّرين [للخردوات]، لا لشيء إلاّ الخوف على مخزون الماء، حيث قبلنا بهذا التخويف، وتحوّلت المعدّات التي استوردناها بعشرات المليارات إلى كتل حديدية، تتآكل مع الزمن، وتحوَّلَتْ آلاف الأُسَر من الأرياف والقرى إلى المدن مَعُولةً، بعدما كانت عائلة، تبحث عن العمل، بعد تقليص الزراعة. إذاً نحن أمام خوف محتمل، ومشروع، ولا بد من التَّحرُّف لمواجهة خوف آخر، أكثر احتمالاً. - وكيف بنا إذا غار الماء ونضب النفط؟. ربما يختلف الاقتصاديون حول البدائل، ولأنني أجهل حقائق معارفهم، لعدم تخصُّصي، فإنّ من الحصافة العدول عن التفاصيل، ولو اشتغلت بالمتداول من الآراء، لكان بالإمكان استقصاء شطرٍ من تطلُّعات المواطنين الوجلين، إذ لابدَّ من وضع حَدٍّ لبطر المعيشة، ونهاية للترف المذموم في أحد عشر موضعاً من القرآن الكريم. ولعلّ من أوائل المتداول استغلال الطاقات: [النووية] و[الشمسية] و[الهوائية]، لتكون رِفْداَ للطاقة النفطية، ولاسيما أنّ المملكة تستهلك حسبما أسمع من إحصائيات أكثر من مليوني برميل يومياً، وهذا الرقم مخيف، إذ ربما يأتي يوم لا تستطيع البلاد فيه إنتاج ما يسدّ حاجتها من الاستهلاك المحلي. والمليونان المستهلكان محلياً، لو قُوِّما، لكانت قيمتهما تعادل ميزانية ست دول أفريقية. وقدرة الدولة اليوم على توفير هذا الكم الهائل للاستهلاك، لا تمنع من التحرُّف لبدائل تقلِّص الكمية، ولو إلى النصف، وذلك ممكن، وبخاصة في المناطق الجبلية والصحراوية، ذات الحرارة الشديدة، إضافة إلى التوسُّع في إنشاء [السكك الحديدية]، و[الأنابيب الأرضية] الناقلة، لتقليص الشاحنات، وحفظ الطرق، وتوفير الطاقة. ولكي تصبح الطاقة البديلة قليلة التكلفة، مألوفة الاستعمال، لابد من إيجاد مصانع للشرائح والأجهزة المنتجة للطاقة البديلة عن النفط، ودعم المُصَنِّعين والمستثمرين لها، وبيعها بأسعار مغرية، حتى تشيع تلك الطاقة، ويألف الناس استعمالها. أمَّا [الطاقة الهوائية] فقد عرفناها في طفولتنا، وشاهدناها على الآبار [الارتوازية]، ويحسن استعمالها، لاستخراج المياه السطحية على الأقل، لرَي الحدائق، والمسطحات الخضراء، وكذلك نقل مياه السُّدُود، ومياه الصرف الصحي إلى مزارع الأعلاف المقامة حولها، وإغراء أصحاب المزارع الصغيرة، والاستراحات، ممن يعتمدون على المياه السطحية من استعمال الطاقة الهوائية، لتوفير المخزون، وتقليل التلوث. أما [الطاقة النووية] فمن الأفضل استغلالها للتحلية، ثم التوسُّع فيها لكافة الأغراض السلمية، وإن كانت في البداية بالغة التكاليف، وتشكِّل حساسية عالمية. وحين لا أكون متشائماً، ولا مرجفاً في المدينة، فإنّ واجب أهل الحل والعقد أن يرتّبوا أمورهم على أسوأ الاحتمالات. يُتبع ... _________ وأخذ الحذر مطلب إسلامي، ولاسيما أن الواقع العالمي مأزوم من كل الوجوه، وأن المصالح تسيّر السياسة. وإذ نكون آمنين في سِرْبِنا، متعافين في أبداننا، متوفرين على أقْواتنا، فإن من أوجب ما يجب علينا التلبس بالشكر: قولا وعملا: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ، والتحرف الحصيف لتحري البدائل، وتمحيص الخيارات، فالمصدر الواحد كالحبل الواحد، قد يَنْبَتُّ في ساعة العسرة، والحبال الثلاثة أفضل من الحبلين، لأنها تبعث على الثقة. وما لذي يمنع من التفكير الجاد في البدائل في الرخاء، لتكون عضداً لنا في ساعة العُسْرة، على افتراض أن النفط مُعَرَّض للنفاد، أو البدائل الأيسر، أو الأرخص، أو الكساد، وهي آفات متوقعة، فعلى الرغم من أن زيادته مواكبة لزيادة السلع ، فإن المستورد جاد في اكتشاف البدائل. وقد تعرضت دول أقوى منا لآفة من هذه الآفات، أدى بها إلى اختناقات معيشية، وأزمات اقتصادية، لم تستطع الخلوص منها. وهذا “القطن" يتعرض للكساد، لوجود البدائل. وحتى لو كانت [الطاقة النفطية] أرخص من غيرها، فإن تعويد الناس على تنويع المصادر، وإشاعة ثقافة البدائل تمهيداً لمواجهة الاحتمالات السيئة أفضل من الركون إلى مصدر واحد للطاقة والرزق. إننا اليوم نمتلك أكثر من خيار، وقد نفاجئ العالم بمبادرات لا تخطر له على بال، ونحن اليوم، وفي ظل التضخم، نتعرض لفوائض في الميزانية، تضطرنا إلى البحث عن مشاريع، ربما لا تكون من الأولويات، وننسى أنَّ بلادنا صحراوية جافة لاهبة. إن بإمكاننا التحرف لإنشاء غابات كثيفة، وبحيرات صناعية، وذلك بنقل مياه البحر عن طريق أنابيب أو قنوات، يُدْفع الماء فيها بالطاقات البديلة إلى الصحاري الشاسعة، بحيث تساعد على الرطوبة، وقد تتم التحلية منها، وتنمية الثروة السمكية بكل أنواعها. لقد سمعنا من قبل بمحاولة نقل [جبال الثلوج] عن طريق البحر، وهي رؤية من تلك الرؤى التي لم نستوعبها، ولم نحاول مناقشتها، أو منافستها ببدائل أخرى. وبلادنا إذ تكون صحراءً محاطةً بالبحار فإن من الحصافة أن نخترقها بالقنوات، وأن نصدعها بالبحيرات، وماذا جنت مصر من [قناة السويس]. ومما يُعقِّد الاشكالية أن المملكة تواجه انفجاراً سكانياً، وتُمنى بتركيبة سكانية عمرية لم تتعرض لها أي دولة في العالم. وهذه الظاهرة مخيفة، وتحتاج إلى مزيد من التفكير في إيجاد مجالات للعمل المنتج، وليس للبطالة المقنعة، فالمملكة دولة شباب، إذ تشكل التركيبة السكانية الشبابية فيها نسبة غير متوازنة. والشباب مقبلون على الدنيا بكل شهواتهم، وتطلعاتهم، وطموحاتهم، فهم يعيشون مرحلة التكوين القائمة على المطالب الملحة، ومن ثم يحتاجون إلى الدراسة، ولقد استطاعت الدولة حل هذه الإشكالية كَمًّا على الأقل، وهم بحاجة إلى مجالات العمل والسكن ولما تزل تلك الإشكاليات مستحكمة الحلقات. فالعمل لا يمكن أن يُحل بالتوظيف الحكومي، لأنه لا ينهي الإشكالية، ولكنه يزيدها تعقيداً وتراكمية. فالشباب بهذا الحجم، وبهذا التكاثر، بحاجة إلى عمل منتج، تتحول فيه الأمة من معولة إلى عائلة، ومشكلة البطالة لاتحل بإحداث وظائف مفتعلة في الأجهزة الحكومية، على شكل كتبة، لاستيعاب الفائض من الخريجين، دون أي [استراتيجية]، تضع للإنتاج أهمية. ولعلنا ونحن نشير إلى معضلة التركيبة العمرية الأكثر تعقيداً أن نشير إلى معضلة أخرى، وهي استغلال الرؤية الإسلامية في التعدد والإنجاب. وأي رؤية لا تؤخذ بضوابطها ومحققاتها الإيجابية، تتحول مع الزمن إلى عقبات في سبيل الإصلاح. فدعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لمستطيعي الباءة من الشباب إلى الزواج، وتفضيله للمرأة الودود الولود، وإباحته للتعدد، تحتاج إلى قراءة واعية. فالزواج مسؤولية، والإنجاب مسؤولية، ومتطلبات التربية والتعليم باهظة التكاليف، ولكل مسؤولية تبعاتها. وجدير بمن أقدم على ذلك أن يحسب للمسؤوليات حسابها المناسب. فالأبناء يحتاجون إلى تربية وتعليم وحماية ومتابعة. ولاسيما أن الزمن موبوء، وبلادنا مستهدفة بالمخدرات، والأفكار الضالة، وموبوءة بمشاكل العمالة، ومهددة بحوادث المرور. وفوق هذا فإن كل الكماليات الثانوية تتحول إلى ضروريات أولية، ومهما ارتفعت الدخول فإن أبوابا من الكماليات والضروريات تُكسْر، ولا تفتح، ومن ثم تظل مشرَّعة، لتشكل ضغطاً على الدخول، وكل من لاقيت من موظفي الدولة يشكو وضعه المالي، وهذه المطالب الملحة قد تحمل على فقد الأمانة، والركون إلى مصادر دخل غير مشروعة. وإقدام الدولة على إنشاء “هيئة لمكافحة الفساد" دليل على تفشي تلك الظاهرة. والصحابة رضوان الله عليهم المتمثلون لأمر الله، كان بعض منهم يعزل والقرآن ينزل، كما في الأثر الصحيح، وفي متون الفقه:- [يجوز إلقاء النطفة بدواء مباح قبل الأربعين]. وهذه الشواهد من التشريعات المبكرة تؤكد إحساس خير القرون بأهمية تنظيم النسل. وفي ظل هذه التشريعات، والإشارات فإن على الجهات المعنية، وهي تواجه عدة أزمات، أن ترتب أمرها، لتواجه النوازل بما يليق بها، واستجابة الأمة مرتبطة بإشاعة ثقافة البدائل: فأزمة الطاقة. وأزمة البطالة. وأزمة الإنفاق. وأزمة الانفجار السكاني. وأزمة السكن. لا يمكن تفاديها بالمسكنات والتأجيل إذ لابد من تحرف معرفي، يحسم المشكلة، ويمكن من التوجه لغيرها. إننا في مجمل مواجهاتنا لانحسم المشاكل، ولكننا نؤجلها بالمهدئات. ولقد نكون اليوم قادرين على التأجيل، ولكننا في مستقبل الأيام لن يتأتى لنا الحل المؤقت، وإن كان المثل الغربي يقول: “لا يدوم إلا المؤقت". وتنويع مصادر الطاقة له عوائد كثيرة من أهمها: تعدد مصادر الدخل، وتوفير فرص العمل الإنتاجي، وليس الاستهلاكي. فلنبادر إلى التفكير الجاد، ولنَسْع إلى تشكيل هيئات، ومنظمات، وخبراء، ومستشارين، للبحث عن البدائل، وفك سائر الاختناقات، فالزمن موات، والأوضاع مناسبة، والجبهة الداخلية متصالحة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومالم نتداركه اليوم لن نكون قادرين على تداركه غداً.