القضاء كان يحلّق بجناح واحد هذه قصة حقيقية رويتها من قبل، ولا بأس من أن أرويها مرة أخرى، لما فيها من عبرة، وهي أن شارل ديجول عندما استلم الحكم في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وعقد أول مجلس للوزراء، سأل وزراءه (وكان يعيش في لندن أيام الحرب) عن أحوال فرنسا، فقالوا له إن الاقتصاد سيئ والتعليم سيئ والإدارة سيئة، فسأل عن القضاء فقالوا إن الفساد لم يتطرق إليه، فقال : إذن نستطيع أن نعيد لفرنسا مجدها، فالقضاء إذا كان عادلًا صلحت الأمة، ولهذا قيل العدل أساس الملك، والقضاء حكم وتنفيذ، وكانت الأحكام تصدر ولا تنفذ، وخاصة في القضايا المالية، أي أن قضاءنا كان يحاول أن يطير بجناح واحد، وهو المستحيل، وأعرف أناسا لديهم أحكام في قضايا مالية ظلت سنين دون تنفيذ، أي كانت مجرد حبر على ورق، ولا تساوي حتى الورق التي كتبت عليه، وكان الواحد عندما يذهب لجهة التنفيذ وهي الإمارة يقال له : أحضر خصمك، وبالطبع يعجز عن إحضار الخصم، ولا يجد تعاوناً من العمدة أو المباحث أو الشرطة في إحضاره، وهذا أيضا يحدث كما قلت في قضايا النفقة، وتبقى المرأة المطلقة هي وأولادها سنين بدون دخل يعيلهم، ويبدو أن ذلك، كما نأمل ونرجو ألا يظل أملًا، في سبيله إلى التغيير، فقد أكد وزير العدل الدكتور محمد العيسى أن نظام التنفيذ الجديد استوفى المتطلبات، وأغلق الثغرات كافة، مشيرا إلى أن " التعسف إذا لم يجد ملاذه في القضاء العادل حاوله في التنفيذ "، وهي كلمات تصف ما كان عليه الواقع، فعسى أن يصدر النظام في أسرع وقت، فما أحوج الناس إليه .