يرى البعض لدينا مسؤول بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وأستاذ جامعي وإمام مسجد أهم الحلول لمكافحة الفساد، هو أن نستغل العلماء والدعاة والمنابر في تعزيز قيم النزاهة وسلامة الذمة لمحاربة الفساد. أقول: أهم الحلول لأنهم لم يطرحوا حلولا أخرى سوى الاتكاء على الجانب الوعظي، بل إن هناك اجتماعات تمت مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، لتوجيه خطباء الجوامع للتطرق لموضوع الفساد في خطبهم المنبرية، كما قال المسؤول العاتب على وزارة الشؤون الإسلامية إذ لم يلتزم الأئمة إلا في فترات متقطعة، فيما الضرورة تقتضي الاستمرار في ذلك. ومع احترامي الشديد للمسؤول والأستاذ والإمام، إلا أن الخطاب الوعظي في مثل هذه القضية قد يكون هامشيا وليس مهما في إصلاح الفرد، أو هكذا أقنعني تربوي ياباني في كتابه إذ شرح الأسباب التي تجعل التعليم الياباني يضع حصة رياضة يوميا، فيما مادة الأخلاق «وعظ الطلاب لزرع قيم وأخلاق» حصة واحدة في الأسبوع، أما لماذا ؟. فهو يرى أن الرياضة ممارسة، وبهذه الطريقة تستطيع خلق سلوك لدى الطالب الذي سيتحول فيما بعد لموظف / عامل، والموظف الذي يمارس الرياضة ينتج أكثر ممن لا يمارسها. أما مسألة الأخلاق «القيم والنزاهة واحترام النظام» ، فهي ستترجم إلى سلوك يمارسه الفرد إن لم يؤثر عليه الواقع المعاش، إن كان أي الواقع لا يشبه ما تم تلقينه. لهذا أنت مهما مارست وعظك ويوميا تطالب به الفرد أن يحترم نظام المرور على سبيل المثال، إلا أن الواقع / الشارع هو من سيفرض السلوك الذي عليه أن ينهجه. فالمجتمعات تنقسم إلى أقلية وإن لم يكن هناك أنظمة وقوانين ورقابة لن تسرق، وأقلية مهما وضعت من أنظمة وقوانين ستحاول التلاعب عليها، وغالبية عظمى يحركها الواقع المعاش، فإن كانت هناك قوانين وأنظمة ورقابة صارمة ستلتزم بها كما يحدث للسائق «مهما كانت جنسيته» حين يقود سيارته باليابان إذ يتحول لشخص يحترم النظام إن لم أقل يخافه، فيما هنا سيحكمه الواقع.. خلاصة القول: علينا ألا نتكئ كثيرا على الوعظ لمحاربة الفساد، بل على قوانين وأنظمة ورقابة صارمة، علينا أيضا أن نختار من الأقلية التي وإن لم يكن هناك قوانين لن تغير مبادئها، لتصبح نماذج للغالبية العظمى، يقتدى بها إما حبا أو بحثا عن مكافأة / منصب إن أصبح نزيها.