هو سؤال لا ينفك عن طرح نفسه مع إطلالة كل إجازة، ما الذي ينقص السعودية حتى تعجز عن جذب شعبها إلى الداخل والاحتفاظ به ولو لإجازة واحدة في أراضيها؟ وما الذي يجعل إحدى أثرى الدول النفطية في العالم عاجزة عن صناعة سياحة داخلية تليق في بمواطنيها؟ إنها أسئلة تتكرر كثيييراً في مجالس النساء واستراحات الرجال بل وحتى في أحاديث الصغار ولكنها ظلت ولا تزال بلا إجابة.. حيث تمتزج المفاهيم لدينا ولدى مؤسساتنا المعنية بالسياحة بين مفهوم السياحة كصناعة قائمة ومستمرة وناهضة، وكترفيه موسمي يقتصر على الأعياد والإجازات الصيفية، رغم أنّ المملكة باتساع رقعتها وتنوُّعها الجغرافي والثقافي والتاريخي الثري، وإمكانياتها المادية المتاحة، تستطيع أن تصنع سياحة تجذب المسافرين من كل أنحاء العالم فما بالك بشعبها..؟ ضعف الصناعة السياحية، وتبعثر الجهود والأموال على المناسبات الموسمية القصيرة جعل السعودي الضيف الأغلى والأهم على قلوب الدول المجاورة، فمن غيره يرفع نسبة إشغال غرف الفنادق إلى نسبة 100 %؟ ومن سواه ينفق بكرم وسخاء على المطاعم والحدائق والأسواق والمرافق السياحية؟ أي سياح المنطقة قادرون على أن يشغلوا العالم جواً وبراً، ويملأون الطائرات والمطارات، ويتكدّسون أمام المنافذ والمعابر الحدودية ساعات طويلة سوى السياح السعوديين؟ الذي باتوا يتسوّلون الفرح والسعادة على أبواب دبي واسطنبول ولندن وغيرها مدن العالم، طامحين بكسر الملل والروتين حيناً، وهاربين من لهيب الصيف حيناً آخر!. ولعل حادثة منفذ البطحاء التي حدثت الأسبوع الماضي، خير دليل على أنّ سياحتنا لازالت في مرحلة “أ - ب" أمام ما وصلت إليه الدول المجاورة، حيث تكدّست آلاف السيارات في المنفذ الذي يعتبر أحد أكبر المنافذ في الشرق الأوسط، لأكثر من 14 ساعة، وحدثت بعض حالات الإغماء للنساء والأطفال بسبب حرارة الطقس وعدم وجود مياه للشرب، ما ساهم في رفع أسعار المياه عشرة أضعاف، فضلا ًعن الغلظة وسوء التعامل من قِبل موظفي المنفذ للمسافرين. المفارقة كانت أنّ الإمارات سمعت بكارثة البطحاء فاستنفرت وشمّرت عن ساعديها في منفذها الحدودي مع السعودية “الغويفات" وضاعفت عدد العاملين في المعبر، وقدمت جميع التسهيلات للمسافرين عبر توفير 12 منصة 8 منها خصصت للداخلين إلى الإمارات، حيث استغرق إنهاء الإجراءات فيها من دقيقة إلى دقيقتين كحد أقصى، هذا فضلاً عن استقبال المسافرين بعلب المياه والعصير مع ابتسامة وكلمة طيبة. لست بصدد الحديث عن تردِّي أحوال المنافذ والمعابر الحدودية، وتهالك مبانيها وعدم جاهزيتها لاستقبال أعداد كبيرة من المغادرين، وغياب مسؤوليها عن المشهد وتأكيدهم في إحدى الصحف المحلية أنّ ما تم الحديث عنه مبالغات لا أكثر، في ظل تواجد أمبر مسؤولي المنفذ الإماراتي ما جعل الفرق واضحاً ومحرجاً لإخواننا السعوديين! ولكني هنا أشعر أني أقف أمام مأساة وطنية، فالمسألة أكبر من أزمة معبر حدودي غير قادر على استيعاب أعداد المسافرين الهائلة، المشكلة تكمن في السؤال ما الذي دفعهم للسفر براً لساعات طويلة إلى مدينة لا يقل طقسها سوءاً عن أجواء المملكة الحارة؟ إنه السياحة الاحترافية التي تقدمها دبي، والمعاملة الإنسانية الراقية والنظام شديد الصرامة والحرية المنضبطة التي تتميّز بها دبي وغيرها من المدن التي يتسابق إليها السعوديون، في ظل غياب أي شكل من أشكال الترفيه والفرح المبتكر في مدنهم. إجازة جديدة والمشهد لا يتغيّر وأبشر القائمين على السياحة السعودية أنه لا يتغيّر قريباً قبل أن يعوا جيدا أنّ ما يقومون به من مهرجانات موسمية وجهود مشكورة في العيد وغيره من المناسبات الوطنية أو الإسلامية لاااا تكفي!! إننا نبحث عن متاحف مبتكرة وحدائق حديثة وعروض مسرحية تستمر طوال العام.. نحن بحاجة إلى مدن ترفيهية ضخمة وقرى تراثية مجهزة بالمحلات والمطاعم والمقاهي ذات الطابع نفسه، وسياحة شتوية راقية على أطراف المدن، حتى نجد وجهه ترضي أذواق المواطنين والسيّاح.. أعلم أنّ القول أسهل من الفعل، ولكن بخطة إستراتيجية محكمة، وهمّة وإرادة قوية، نستطيع أن ننهض بسياحتنا وبالتالي اقتصادنا وثقافتنا ووطننا بشكل عام. نبض الضمير: “النتيجة الطبيعية لقيامك بالشيء نفسه: هو حصولك على النتيجة نفسها"