لا شيء يُفتّت المجتمعات ويجعل أفرادها مِزَقًا وقضاياهُم هامشيّة خارج إطار العصر مثل «الطائفيّة»؛ نارٌ تُضْرَم وليتها تأكلُ نفسها، بل تأكل جيلًا ومرحلةً كان من المفترض أن ينشغل المنتمون لها بما له علاقة بحاضر أوطانهم ومستقبلها وتحقيق بعض أحلام من سيأتون بَعْدَهُم.. لا بقضيّةٍ يتم جلبها واجترارها منذ 1400 عام!.. وكأن هذا المذهب لا يقوم إلاّ على هَدْم هذا المذهب، وذاك المذهب لا يمكن له الاستمرار إلاّ بنفي وإقصاء وشتيمة وتخوين أفراد المذهب الآخر، أصبح من النَّادرٌ أن نجد من يقول: «دع الخلق للخالق» فكلُّ إنسانٍ مسؤولٌ عن علاقته بخالِقِه، فالثواب والعقاب والقبول وعدمه شأنٌ ربّاني لا علاقة للمخلوقين به؛ حتمًا ستقوم السّاعة وعلى هذا الكوكب من يختلف عنك وعنّي وعن الآخر دينًا ومذهبًا، لذلك لا معنى لكل هذه الحرائق التي يُضْرِم إشعالها الطرفين وغالبًا ليسوا العقلاء.. إلاّ أنّنا حطبها وستذرونا الرّيح إن عاجلًا أو آجلًا «ذات رماد»، جوٌّ مشحون وتوتّرٌ يملأ الفضاء وصُراخٌ لا يكاد ينقطع وفِكرٌ أعرَج؛ ماذا بعد؟! أصبح الحقّ لا يُقبل من (س) من النّاس إذ مؤكّدٌ أنّ وراؤه ما وراؤه لأنّهُ من تلك الطائفة، بينما نتغاضى عن الباطل من (ص) فقط لأنّه من طائفتنا واعترافنا بخطئه سيُفرح الطائفة الأُخرى، فكيف وهو يتكلّم في قضيّةٍ تَخُصّ تلك الطائفة؟! نفوسٌ مشحونة وحوارٌ يخرج في أغلبه عن أدنى آداب الحوار فكُلُّ طرفٍ هدفه إثبات أنّ الطّرف الآخر على خطأ وبأنّهُ على ضلالةٍ وكل ضلالةٍ في النّار، قنوات فُتِحَت لتُغْلِق كل «قناة وِفاق» أو مُحاولة تعايُش مع الآخر، في ظل هذه الأجواء المتوترة والمشحونة عادي جدًّا أن تتكرّر مثل إساءة الشيخ: «عبدالرحمن دمشقية» لابنة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بدون قصد، فتعصّبنا وحماسنا للحقّ أحيانًا يوقعنا على وجوهنا في دائرة الباطل دون أن ننتبه، خُصُوصًا عندما يصبح أفراد (المعركة الوهميّة) أكثر بكثير من مدى استيعاب ساحتها وَمِساحَتِها؛ فإلى متى وهذا الأتُون يُوقَد؟! وكُلُّ عاقلٍ بل «نِصْف عاقل» يدرك بأنّ هذه الحرب لن تضع أوزارها على خيرٍ أبدًا.. إذ سنكتشف ذات يوم ولكن بعد فوات الأوان هذا إن لم يَفُت.. بأن لا ضحيّة لهذه المعارك إلاّ «نحنُ وَأوطاننا ومُستقبلها».