بينما كنا جلوسا عند أحد الأصدقاء، كان الحديث حول عرض مسلسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان أحد الشباب مندفعا متحمسا لايقافه ومنعه. كنت على يقين من أن بقية الشباب يملكون رأياً آخر مناقضا لرأي هذا الصديق الذي كان أكثرهم تشددا في تناول الأحكام الفقهية عموما. لكن لا أحد يريد أن يقف في وجه المدفع ويواجه ويحاور، خاصة في مسألة دينية، وخاصة إن كان المقابل له رأي يرى الإباحة والجواز. قام أحد الشباب بمقاطعة صاحبنا، مبينا أن هناك من العلماء من أباحوا العمل وراجعوه ووضعوا اشتراطاتهم وضوابطهم، هذا الشاب لم يقل صراحة أنه يراه مباحا، لكن قرر وجود رأي آخر في المسألة.. تشجع ثالث ليضيف بأنه يعتقد على ضوء ما قرأ من فتاوى أن حجة المحرمين ضعيفة، وهم يأخذون بالأحوط والأولى وهذا حكم اجتهادي، وأنه يرى أن فوائد المسلسل اليقينة أكثر من مفاسده الظنية. هنا قام الرابع، وقال رأيه بأكثر صراحة ووضح، بأنه يرى أن التحريم فيه تطرف وغلو، وأنه يرى الجواز، وساق أدلة المحرمين وفندها. ما أريد أن أقوله من سرد هذه القصة أن الحوار تحول بالتدريج من سيطرة صوت واحد يرى التحريم والجواز ويسكت الجميع إلى صوت آخر معتدل له رأي آخر، لم يستطع الصوت المعتدل أن يقول رأيه ويفرضه بشكل مباشر وواضح لأن الصوت المتشدد هو الأعلى دائما في كل شيء.. ويكون صوت الصقور الواثقين أكثر قوة وحضورا من الحمائم المتعقلين والمتشككين؛ لذا فالمسألة لا تقاس على صاحب الصوت العالي، بل صاحب الدليل، ولا يجب أن يغتر الناس بكثرة المتطرفين والمتشددين، فهم الأعلى صوتا فقط. لكننا بحاجة للشجاع الذي يقف في وجه المدفع ويقول رأيه دون خوف أو وجل ولو عارضه الكثيرون.