لا. لا يحلها ولكنه يسهم في الحل. يسهم الرهن العقاري في تسهيل الحصول على تمويل مقارنة بحالة ما قبل وجود نظام للرهن. أما مشكلة تدني القدرة الشرائية لأكثرية الناس فلا شأن للرهن العقاري ذاته بحلها. نسبة المواطنين الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على تملك سكن مناسب في تزايد. ذلك لأن ملكية سكن مناسب صعبة أو خارج القدرة المالية لأكثرية العائلات، حتى مع وجود تمويل لمدة طويلة، مثلاً 20 عامًا. هناك ثلاثة معوقات أساسية من جهة الناس طالبي الرهن والتمويل العقاري. تلك المعوقات تقلل استفادة الناس من ذلك الرهن والتمويل العقاري. أولها قيد الدفعة المقدمة، وهي دفعة ليست في الغالب تحت مقدرة ذوي الدخل الأقل من المتوسط، والثانية تتمثل في القسط الشهري الذي يستمر سنوات طويلة، ويشكل عبئًا ثقيلاً على ميزانية الكثيرين. وأما العائق الثالث فيرجع إلى مشكلة قلة ثقة بطالب التمويل المقترض بالسداد حسب الاتفاق، مما يصعب شروط التمويل. ستعتمد قدرة نسبة كبيرة من الناس من غير ذوي الدخول المرتفعة في الحصول على تمويل لتملك مسكن مناسب على معالجة قدر الإمكان لتلك المعوقات. ومن ذلك تطوير موارد وسياسات صندوق التنمية العقارية، والسماح بوجود مرتهن آخر مع الصندوق. ومن ذلك وضع سياسات تسهم بفعالية في زيادة عرض الأراضي، ومن ثَمَّ محاولة خفض أسعارها. ومن ذلك منع منح الأراضي إلا بضوابط أكثر موضوعية، وترتكز على العدالة. ومع ذلك ستبقى نسبة من الناس غير مستفيدة من نظام الرهن العقاري، وتبقى مسؤولية الحكومة في مساعدة هؤلاء في مساعيهم لتملك مساكن مناسبة. ويلاحظ القارئ أنني ذكرت تملك مسكن مناسب. وهنا يثار سؤال عن تعريف السكن المناسب. ينبغي أن يفهم الأمر في إطار المقصود بمشكلة السكن. عندما يذهب أحدنا بغرض استئجار أو شراء عقار ما، فإنه يضع لنفسه توصيفًا وتصورًا لمستوى العقار الذي يرغب في الحصول عليه. قد يحصل عليه ضمن الميزانية التي قررها مسبقًا، ولكن هذا لا يحصل عادة. لماذا؟ لأن التوصيفات والتصورات تتجاوز حدود الميزانية التي قررها ابتداء، سواء للاستئجار أو الشراء. عندها عليه إما أن يخفض من تطلعاته أو يزيد من ميزانيته أو حل خليط بين الاثنين أو يؤجل الموضوع في حالة الشراء خاصة. لنأخذ حالة خفض التطلعات. إلى أي حد للطالب سيقبل في خفض تطلعات، سواء في الكم أو الكيف أو كليهما؟ بإمكانه نظريًّا أن يخفض التطلعات كثيرًا، لقبول حتى بيت أشبه ببيوت أجدادنا. الناس لا تفعل ذلك، فمن الصعب على الإنسان الرضا بخفض مستواه المعيشي كثيرًا. ولذا سيؤخر المشروع أو الزواج مثلاً لوقت آخر بدلاً من شراء أو بناء منزل بمواصفات تبعد عن أحلامه كثيرًا كمًّا أو كيفًا أو كليهما. ربما يمر وقت طويل جدًّا حتى يقبل الناس بالأمر الواقع، في حال عدم حلول أخرى. ارتفاع التطلعات بعضه مبرر، وبعضه غير مبرر. المشكلة تحديد نقطة التوازن، التي ينبغي أن تبنى عليها السياسات والاستراتيجيات الإسكانية. وكما يعرف كثيرون، أعدت هيئة ألمانية استراتيجية الإسكان الوطنية بتكليف من وزارة الإسكان. وترى الاستراتيجية أن تطلعات الناس السكنية صعب تلبيتها، وتتجاوز المعايير الدولية في الحاجة السكنية. ولكن الناس لهم وجهة نظرهم. ومن ثم لا بد من حلول توازن بين التطلعات وقدرات الناس المالية.