أعتقد جازمًا أن كل خطوة إيجابية أو إجراء قانوني أو تعديل تتخذه الدولة، ممثلة في وزارتها وأجهزتها الأمنية والرقابية والعدلية وكذلك الإدارية، في شأن من شؤون تحسين الأطر الرسمية القانونية والإجرائية المتعلقة بالالتزام بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان الأساسية على أرض الواقع بصورة ممنهجة في أي صورة أو شكل يصبّ في خانة تعزيز العلاقة السوية بين السلطة وأجهزتها التنفيذية من جهة، وبين المواطن والمواطنة والمقيم من جهة أخرى.. فالتوسّع الحكومي في مأسسة وتحسين ظروف تطبيق حقوق الإنسان والالتزام بها تحت أية ظروف كانت يزيد في نهاية المطاف من شفافية العلاقة التي تربط بين المواطن وحكومته ويسدّ الطريق أمام التكهّنات والقراءات الخاطئة لسياسات وقرارات الدولة سواء على المستوى المحلي او الدولي من قبل منظمات حقوق الإنسان أو وسائل الإعلام المختلفة. فعلى سبيل المثال حمل العديد من الصحف المحلية الأسبوع الماضي خبرًا مفاده أن توجيهًا حكوميًا جديدًا صدر بحيث «أوقف تفويضًا سابقًا لأمراء المناطق للنظر في قضايا المطالبة بالمنع من السفر لمن يزيد عمره على 21 عامًا إذا كان مقدمًا من والده أو من أخيه، وذلك لمخالفته مقتضى الفقرة الثانية من المادة السادسة من نظام وثائق السفر الصادر بالمرسوم الملكي الرقم (م/24) وتاريخ 28/5/1421 التي نصّت على أنه لا يجوز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره وزير الداخلية لأسباب تتعلق بالأمن ولمدة معلومة. وفي كلتا الحالتين يبلغ الممنوع من السفر في فترة لا تتجاوز أسبوعًا من تاريخ صدور الحكم أو القرار بمنعه من السفر». من حسن الحظ ان هذا التوجيه الايجابي صدر متسقًا في نصه وروحه مع توصيةٍ من توصيات التقرير الثالث لجمعية حقوق الإنسان السعودية التي طالبت بتوجيه كافة جهات الضبط والتحقيق والتوقيف بالالتزام الدقيق بنظام الإجراءات الجزائية ومحاسبة كل مَن يتجاوزه، وكذلك ضمان حرية التنقل وتقنين المنع من السفر وحصره فيمن يصدر بشأنه حكم قضائي مسبب وذلك لمدة محددة. احترام حقوق الانسان والالتزام بها من قبل الاجهزة الحكومية لن يتأتى في يوم وليلة وإنما بفعل حراك تراكمي سواء على المستوى الرسمي أو المستوى المدني من خلال جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني ورموزه الحقوقية والمدنية التي تعمل في بعض الأحيان ككتل موازنة مقابل بعض ممارسات الأجهزة الحكومية التي لا تعطي اهتمامًا كبيرًا بحقوق الإنسان. وسائل الاتصال والتواصل الإلكترونية والتقليدية دفعت بقضية احترام حقوق الإنسان إلى الواجهة واستخدمت من قبل بعض الحكومات كورقة ضغط خارجية لتحقيق مصالح اقتصادية وجيوإستراتجية بعيدة كل البُعد عن المقصد الإنساني النبيل كما حدث مؤخرًا للمعارض الصيني تشن قوانغ الذي لجأ إلى مبنى السفارة الأمريكية في بكين طالبًا مغادرة البلاد مما كاد يتسبب في نزاع دبلوماسي بين البلدين. في ظل ما تمرّ به المنطقة العربية، يأتي فصل احترام حقوق الإنسان في مقدّمة القضايا الساخنة، مما يعني تعاملًا إيجابيًا انفتاحيًا لا يقل سخونة ومصداقية من قبل الجهات الحكومية المعنية، فالتعامل الموضوعي المدني مع كافة الأطراف بغض النظر عما تطرحه أو تطالب به أنجع وأسلم بكثير من التهميش ومنع السفر وغيره من الإجراءات الاعتباطية التي لم تعُد تقنع السواد الأعظم من فئات المجتمع.