صدر الحكم على حسني مبارك وبقية المتهمين وأثار القرار معارضين ومؤيدين، ما أضاف أزمة جديدة لأزمات الاقتراع على رئاسة الجمهورية، وحصرها بين مرسي، وشفيق، مما يهدد استقرار بلد يعاني وضعاً اقتصادياً صعباً وضغطاً سياسياً بين مدرسة العسكر، والباحثين عن ديموقراطية تلغي تلك الأدوار وبناء دولة جديدة وحديثة بتشريعاتها ونظمها. التبعات لما يجري مجهولة، لأن الإحباط السائد بكل العملية السياسية، مسّ كل مواطن ووضعه في مواجهة مع تلك المؤسسة، في وقت كان يمكن استغلال الظرف الماضي بالبدء بإنتاج نظام يوفر الأمن كأساس وتسلسل للسلطة، يقضي على العمليات السلبية التي ورثها الوطن منذ ثلاثة عقود. القول إن مبارك ذهب وبقي نظامه، كلّ يدلل على وقائع جديدة، وإثبات آخر، لكن الثورة باقية حتى لو غاب أشخاصها الذين فجروها، لأن الاحتقان الشعبي ما زال يحشد قواه، يسيّر المظاهرات والاحتجاجات، ولم يعد من يوقفها، وكلّ ما يخشاه أيّ إنسان على أكبر بلد عربي، أن تسود الفوضى وتخرج عن السيطرة. اللحظة حرجة وصعبة، ولا أحد يستطيع تجريم المحكمة أو الاعتراض على قراراتها بأن يوضع الموقف في دائرة الحوار العقلي، لأن الانفجار العاطفي لن يؤدي إلى نتيجة تريح المواطن وتحمي السلطة، ومصر مليئة بفقهاء القانون والتشريعات، ولا يوجد حجب لبنود القانون وقد ظلت مصر تفاخر بقضائها وقضاتها، ونزاهتهما من أي تأثير داخلي أو خارجي، ومن هنا فنطق القاضي بالحكم، لا يزال أمامه طعون قد تعيد الوضع من جديد إلى مداولات وأحكام أخرى. الوطن العربي مرّ بظروف حكومات عسكرية دمرت البنى الاقتصادية والسياسية وركزت المنافع المادية بها وفتحت أبواب الفساد والتسلط، بما فيها مصير الوطن والمواطن حتى أن ميزانيات الأجهزة الأمنية والمباحث والاستخبارات باسم الدفاع عن شرعية وحماية الوطن، وهي السبيل إلى اتهام وتجريم كل مواطن لا يلتقي فكره وسلوكه مع سلطة الدولة، قد فاقت الصرف على أي جهاز آخر. الثورة المصرية نتاج تلك السلسلة من المظالم الكبيرة، المتوارثة وبالتالي إذا كان الحكم السابق بأدواته ونظمه لن يستنسخ مرة أخرى، حتى لو وجدت جيوبٌ تريد إنتاجه من جديد فهذا يعني تجاهل وعي المواطن الذي بقي الحصانة للثورة ودافعها الأساسي، لكن أن يتضاعف الاحتقان الشعبي بالشارع للتعبير عن سخطه، كحق مشروع لأن يقول كلمته فيما يتصل بمصيره، وبلده فالمسألة لا تقف على ذلك، فتزداد المعاناة وقد تأتي معركة الرئاسة بذات الإيقاع لأن المرشحَين لها صارا جزءاً من مشكل معقد، وعملية انقسام الشارع، وبتجربة حديثة لم تصل إلى النضج، وبين رافض بشكل عام لبقايا الفلول، مقابل عنصر آخر لا يريد الإخوان المسلمين قضية حساسة جداً رغم أن الاقتراع الذي أوصل الاثنين اختلفت عليه الآراء بين من يراه سليماً بتجاوزات لم تؤثر على الانتخابات وبين من يراه لعبة أدارتها أطراف تريد ترجيح مرشحها. الانتخابات، والمحكمة اللتان خلقتا انقسامات كبيرة، سوف تستمر وتجعل الأزمة غير سهلة، لكن الشعب المصري الذي طالما واجه المآزق، وانتصر عليها، من زمن الاستعمار والتحرر، والحروب وغيرها، قادر أن يجعل ثورته أساساً يخلق نظاماً يعيد لهذا البلد قوته وتوهجه.