• لو أنّ الزهدَ كانَ: «رجلاً»، ثمّ التقى: «صالحاً الحصين»؛ فمَنْ فيهمَا سيجعلُ من الآخرِ إماماً له؟.لربما أنهما سيختصِمَانِ: «تواضعاً». ما أجْزمُ به هو: أنّهمَا لن يَتَسَوّرا المحرابَ، وستصِحُّ الصلاةُ منهما حينئذٍ منفردين؛ إذ إنّ كليهِمَا قد توافرتْ فيه شروطُ: «القيمةِ» وواجباتُ: «الأنموذج». • ظلّ حفيّاً بدولتِهِ ذلك أنّهُ قد أبى المراضعَ كلَّها في حين كانت الأثداءُ تخْطبُ وِدَّ شفتيهِ ابتغاءَ أنْ يلقمها؛ في زمنٍ كان فيه الاستشراف من لدن كلِّ أحدٍ في أنْ يكونَ شيئاً مذكوراً. وظلّتْ به -دولتُهُ- قريرةَ العينِ شأن َ الوعدِ الحقّ الذي لا يعلمُهُ كثير ٌ من الناس؛ في الأثناءِ التي ما انفكّ فيها عن أعمالِ الدعوةِ ومشروعاتِ البرِّ يضربُ فيهما بأسهمٍ وافرةٍ لم تفترْ له بذلك عزيمةٌ، وما خارتْ له بذاك قوةٌ، وإنْ وَهَنَ منه العظمُ واشتعلَ الرأسُ شيباً؛ ذلك مَثَلُه في أسفارِ: «الأنقياءِ» ومثَلُهُ في كتبِ: «الزهدِ» كغرسٍ طيبٍ مباركٍ استوى على سوقهِ يُؤتِى: «نفعَهُ» في كلّ حينٍ -بإذنِ ربّهِ- وعلى أي حالٍ كانَ وَفْقَ منهجٍ سديدٍ يسلكهُ رشَدَاً منْ يبتغي بعملهِ: اللهَ والدارَ الآخرة. ولئنْ كانَ الأمرُ كذلكَ؛ فأيّةُ حصانةٍ (عقليّةٍ شرعيّةٍ) كانَ هذا: «الصالحُ « يتوافَرُ عليها إذ أبقتْهُ: «نقيّاً» في الثنتين: «رجلَ دعوةٍ ورجلَ دولةٍ». خالصاً دونَ أن ْ يلتاث في الأولى بموبقات: «أدلجةٍ» قذرةٍ، ومن غيرِ أنْ يتدنّس باجتراحِ كبيرةِ: «النّفعيّةِ» في الثانيةِ؟. وما حسبناهُ -واللهُ حسيبهُ- يغشى مجالسَ «القومِ» هنا أو هناك إلا بلسانٍ واحدٍ مبينٍ، وحاشاهُ أن يكونَ ذا وجهين وهو: الموطّأُ كنَفاً.. ذو الطّمرين. • ولقد كانَ: ديِّنًا خيراً متعبداً عاقلاً وقوراً متواضعاً، جزلَ الرأيّ، باراً بالعلماءِ، مكباً مع أعباءِ الوزارةِ على العلمِ وتدوينهِ، كبيرَ الشأنِ، حسنةَ الزمان... هذا ما خطّهُ يمينُ: «المترجمينَ» في شأنِ: ابنِ هبيرة: يحيى بن محمدٍ المولودِ في سنةِ تسعٍ وتسعينَ وأربعِ مائةٍ. ولئن قلنا ذلكَ في شأنِ: «صالحٍ الحصين»؛ فهلْ أنّ قارئاً يمكنهُ أن يلحظَ في سيرتيهِما شيئاً من تبيانٍ أو اختلافٍ ظاهرٍ يمكِنُ أن يفصلَ فيما بين السيرتين؟. بل هب أنّنا وضعنا صالحاً مكانَ ابنَ هبيرة؛ فإننا نوشكُ أن نكونَ بهذا الصنيعَ قد أجحفنا في حقّ: «صالح الحصين» لأنّ ثمةَ فروقاً جدّ كبيرة بين: «العصور» فضلاً عن أنّ التاريخَ: «حجابٌ» من شأنه أن يمنح الغائبَ شيئاً كبيراً من وهجِ: «القداسةِ»! • وأيم الله لو أقسمَ صالحٌ الحصين -ما بين الركنِ والمقامِ- أنّهُ لم ير مثلَ نفسهِ ما حنث في يمينهِ. بقيةُ القولِ أختزله بالآتي: كم هي المسافةُ التي يجب على الشيخ صالح أن يقطعها في سبيلِ أن نظفر له -نحن- في مناهجنا على بضعة أسطرٍ؟!. وبكلٍ فما أحسب أنّ هذا سيغضِبُ ماجداً. عيبٌ بالمرةِ أنْ نمُنّ عليهِ ونستكثرَ يوم أن نودع اسمه في شارعٍ فرعيّ -كثير المطبات- أو أنْ نلصقَ هامة اسمهِ على ناصية مدرسةٍ مستأجرةٍ!؛ بينما الخليق بمثل صالحٍ مثلا: أن يكونَ اسمهُ علَماً لإحدى جامعاتنا التي نعرفها مناطقياً وحسب. تَدَارَكوا :»صالحاً» للاحتفاءِ به.. بلْ يجبُ المبادرة بهذا عاجلاً رغمَ كراهيته لمثل هذا العمل، افعلوا ذلك لعلّ أجيالنا أن تعرف من سيرته ما يتخذ منه قدوة. أتمنى على «الشرق» أن تسبقَ الجميعَ -كما هو شأنها في كلّ تظاهرةٍ وطنيّةٍ- وتحتفل ب»الحصين» بطريقتها المهنية التي اختلفت بها عن بقية شقيقاتها.