قد يبدو العنوان شعاراً «قاعدياً» إلى حد ما، ولا غرابة في ذلك فالفكر القاعدي يتفشى في عروقنا بحسب ناشطة «مستجدة» يوخزها ضميرها وتحمل على عاتقها إنقاذ الأمة من الفكر الجهادي والإرهابي الذي يسيطر عليها، لذلك قامت بعرض مأساتها أخيراً على جمع من ذوات العيون الخضراء علهم ينقذونها، لكن المصيبة أن الجهد الآن منصب على إخراج الجن و«تطفيشهم» من جزيرة العرب من خلال حملات دهم يشنها الشبان على مراكز تجمعهم، وتلك التي يسيطرون عليها، ترى لمن سيشتكي أولئك الجن من بطش الشباب بهم، وهل سنشهد ناشطي جن مستقبلاً وافتتاح ديوانيات صمود وتصد دفاعاً عن إرثهم التاريخي الموغل في القدم؟ لاشك أن العلاقة بين الإنس والجن قديمة، فالإرث الثقافي العربي يزخر بقصصهم، وعلى رغم أننا نجهلهم تماماً، شأن الكثير من الأحداث حولنا، إلا أن ما يرد إلينا أنهم «راعين» وناسة وشكشكة والدليل على ذلك أنهم يحيون حفلات سمر في البراري والقفار ويزعجون مرتادي البر والبحر بآلاتهم الموسيقية، وهذا يؤكد أن لديهم حراكاً على أكثر من صعيد، على رغم عدم علمنا بحفلاتهم تلك إذا ما كان فيها اختلاط أم لا وكيف يتعاملون معه، كما أننا لا نعلم إذا ما كانت هناك بطالة يعاني منها مجتمعهم، وأيضاً أمراضهم التي دفعتهم للقيام بمستشفى مهجور قبل أن يتم اكتشافهم من كتيبة الشبان. مع هذه الحملة الشعواء لاستهدافهم، فأنا شخصياً أتعاطف مع الجن، وتعاطفي هذا نابع من مواقف سمعتها، ومنها قصة سبق وأن أوردتها في مقالة سابقة عن الرجل الذي تعرض أحد إطارات سيارته للعطب في ليل على طريق الرياض- الدمام ولم يكن حينها يملك إطاراً احتياطياً فخرج له جني من بين الكثبان وهو يبتسم ما كاد يصيب صاحبنا بجلطة، لولا أن طمأنه ليأخذ الإطار ويقوم بإصلاحه ومن ثم يعيد تركيبه ما دفعنا لإطلاق على ذلك الجني لقب «الجني النشمي»، وأيضاً كيف لنا أن ننسى ذلك الجني الذي منح الأراضي لأحدهم؟ الخلاصة أن هناك قصصاً كثيرة عن الجن، ومواقفهم مع البعض يشهد لها، فكيف إذاً يمكن أن نفسر هذا المنزلق الخطير الذي وصل له التعايش السلمي بين الطرفين؟ ما نشهده اليوم من جهد منظم من خلال حملة «معاهم معاهم عليهم عليهم» يؤكد أن أبناءنا «طق» مخهم ولم يعد يسعفهم للتفكير في ما ينفعهم، وهو أمر يدعونا للقلق مما قد يستجد في سلوكهم مستقبلاً، وإذا كنا نبرر الكثير من الهنات التي يقوم بها الشباب، لكن مثل هذا السلوك «العدواني» ضد الجن لم نجد له تبريراً إلا أن اعتبرنا «حافز» المتقلب الشروط سبباً يؤدي إلى تلك الحالة النفسية، أو قد يكون القياس والتقويم وما يتسبب به من أزمة نفسية، أقول قد، لكن هناك جانباً أكاد أجزم أنه سبب مهم لمثل هذه الحالة، واقصد هنا القصص التي يروج لها بعض المشايخ والذين نسجوا قصصاً من الخيال عن الجن وأشركوه في تفاصيل الحياة اليومية، وأيضاً جعلوا من الجن مخرجاً لكل أزمة ومصيبة نتعرض لها، ومنهم طبعاً الرقاة، الذين تشن حملة لاستئصالهم، وأخشى أن يدفعهم ذلك للاستعانة بالجن مستقبلاً للقيام برد فعل انتقامي على تلك الحملة. «الغزوات» الشبابية التي شهدناها أخيراً هي أمر مخز يجسد حالة الهذيان التي يعيشونها، والتغاضي أو الرفق مع هكذا عقليات، من شأنه أن يشجع على ارتكاب المزيد من تلك الحماقات، ولو كنت صاحب قرار، لأمرت بهدم تلك المباني التي تعرضت للمداهمة ولألزمت الشبان بالعمل على رفع أنقاضها يدوياً ومن ثم إعادتها ومن ثم إزالتها، ليس عقوبة، بل بحثاً عن الجن، لكن دعونا نبتعد قليلاً ونتساءل بصدق، أبهذه الأدوات نراهن على المستقبل...؟