أبدأ بحكاية الشاب الذي قام بالاعتذار وطلب السماح من شاب آخر وأعاد له مبلغ 3000 ريال كان قد سرقها منه ومن سيارته بالتحديد قبل ثلاث سنوات عاشها الشاب في وجع وألم الضمير والخجل من الاعتراف، «هذا الإحساس الجميل على رغم السلوك غير السوي الذي قام به» يؤكد أن حادثة السرقة «كانت عرضية» ربما لحاجة اقتصادية أو لسبب نفسي وليست سلوكاً مرضياً فيه وليست انحرافاً سلوكياً، فالشاب الذي يعيش في عذاب وخجل والشعور بالذنب يؤكد أن روحه وفطرته السوية ترفضان هذا السلوك، وما فعله من المؤكد أنه تطلّب منه شجاعة للاعتراف بخطئه. لم يذكر الخبر رد فعل الشاب المسروق وإن كنت أتمنى من أعماقي أن يقبل اعتذاره وألا يفضحه وأن يسامح «يكفي أنه في عذاب وخجل من سنوات طوال»، غيره لا يفعل ذلك وربما لا يفكر في الاعتذار وربما لا يوخزه ضميره أيضاً والدليل كارثة جدة والسيول! أرض الواقع أثبتت أن شباننا وبناتنا بخير «الحملات الرائعة» والانخراط في الأعمال التطوعية أثبتا أن شبابنا يغمره الخير الذي ربما لم يجد له طريقاً «يخرجه إلى النور»، وعندما وجد هذا الخير «مجالاً» لم يتأخر أصحابه، ذكر صاحب إحدى الحملات المهتمة بترميم منازل المتضررين أنهم بدأوا بأربعة متطوعين وبعد أيام عدة بلغ عدد الأعضاء 1270 عضواً قاموا بأعمال ربما لم يعتادوا عليها من قبل «إزالة النفايات، حمل الأسمنت وغيرهما». ما الذي تدل عليه هذه المشاهد الرائعة التي شاهدناها وما زلنا نشاهدها على أرض الواقع، أن الشباب محتاجون لمجال واسع يستوعب طاقاتهم، مجال منظم له أهداف، مجال يشعرهم بالسعادة والرضا الداخلي، مجال يجعلهم يغيّرون النظرة السطحية التي وصموا بها لسنوات طويلة بناء على ملابس أو قصة شعر «لا تطمس الخير الموجود داخلهم» لأنها سمة من سمات المراهقة ما تلبث أن تذهب وتتبخر كغيرها. كل ما يحتاجه الشبان والشابات الرائعون والرائعات الذين انخرطوا بكل قوة ومحبة وإصرار «برامج» مدروسة تظهر مواهبهم المستترة، برامج «تعزز الخير» برامج تمحو ما يُشاع عنهم وعن تفاهة تفكيرهم. جميل جداً ما تفعله بعض الصحف والبرامج التلفزيونية من مقابلة هؤلاء وتكريمهم على رغم أن ما قاموا به واجب وطني وديني وإنساني يحتم تلاحمنا يداً بيد لمواجهة هذه الأزمة الكارثية التي ما زالت تلقي بظلالها على سكان جدة، وظهورهم يشجع غيرهم على الانخراط في سلوكيات جديدة تضفي على مجتمعنا الحبيب الكثير من النقاء. [email protected]