قبل أسابيع قليلة تناظر الرئيس الفرنسي المنصرف "ساركوزي" مع منافسه "أولاند"، فتابعتنا في عالمنا العربي كيف يعرض برنامجا ويدافع عنه، بل وكيف أن كل من المتنافسين ينقض على الآخر فتبرز ملامح سياساته ومدى قناعته هو بها ومن ثم قدرته على إقناع الآخرين بها ليصوتوا له، وبالقطع فالأمر لا يبدأ ولا ينتهي بمجرد مناظرة أو أكثر بين المترشحين، بل بما يتجاوز ذلك من عقد تحالفات تحدد الرؤية للحقبة الرئاسية القادمة.. وتابعنا قبل ذلك السباق المارثوني بين الطامحين من الأمريكان للمنافسة على الرئاسة هناك، وكيف أن مواقف المترشح هي صفقات سياسة تشكل في مجملها برنامجه الانتخابي. كانت تلك ظواهر مرتبطة بعالم آخر تفصله عن عالمنا العربي آلاف الكيلومترات ويفرقنا عنه برزخ عريض من الممارسة السياسة لعل منبعها مدارس فكرية مختلفة أو فلسفية متنافرة لم تولد قبل عقد أو أثنين أو قرن أو اثنين.. فتلك الفوارق تعود لما قبل الامبرطورية الرومانية.. لكن قبل 16 عشر شهراً لم يك أحد يتصور أن مناظرات سياسية بين متنافسين ستعقد على أرض الكنانة، يعرض كل مترشح برنامجه الانتخابي فيتناوله المحللون والمنتخبون بالتشريح والنقد أو الدعم والتأيد على تفاوت انتماءاتهم السياسية. وبعد متابعة المناظرات، ها نحن نتتبع نتائج التصويت لكل من المترشحين المتنافسين، وأن الاحتمال الأرجح أن تكون هناك دورة إعادة.. هكذا تُعَلِّم مصر العرب السياسة.. على رأس الحدث، من الميدان مباشرة، من خلال تتابعات لشريط من الأحداث المثيرة وغير المتوقعة، وتطورات أزهقت فيها الأرواح ودمرت الممتلكات ووضع الاقتصاد واستقراره على المحك.. تطورات بدأت مهمومة بالماضي، ثم تغيّر المشهد لتظهر معالم المستقبل.. هذه أحداث عظام لا شك. أذكر أني تسمّرت –ككثيرين- أمام التلفاز أتابع الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب.. والآن فرز نتائج الانتخابات الرئاسية. هناك منا من يعتقد أنه "يفهم" سياسة أو أنه "شبع" سياسة.. قد يكون، لكن لابد من التميّز بين متابعة وتحليل الأحداث السياسية وبين الممارسة السياسية ونوعية تلك الممارسة؛ فما استجد في منطقتنا العربية هو أن فهماً سياسياً تفتق نتيجة لثورة مصر..فهْما يقوم على سياسة "المآلات والتغيّر" ذات النتائج بغض النظر عن نوعية تلك النتائج، متجاوزة سياسة "طحن الماء" من المماحكات ونقاشات المقاهي والانقلابات العسكرية التي سادت في عالمنا العربي فأفرزت انسدادات محبطة.