سؤال يحيرني ويحير كثير غيري: هل العقوبات المالية مطلقة في قيمتها مثل الدية، أي لا تتأثر، بقدرة الجاني المالية مهما كان شأنه! وماذا لو كان الجاني مؤسسة اقتصادية ضخمة تملك مليارات الدولارات أو حتى مجرد مئات الملايين! تصوروا لو أن شركة مقاولات عملاقة، أهملت فأخطأت في تنفيذ مبنى عام، مثل مدرسة للصغار أو دارا للمعوقين أو مستشفى للعجزة، فحدث التماس كهربائي بسبب سوء التنفيذ، ومات من جراء الحادثة عدد من الأبرياء وأصيب آخرون بعاهات وأمراض دائمة، فهل تُعامل هذه الشركة كما يُعامل مقاول (على قد حاله) ناشئ غير ضليع ولا مليء. أسوق هذا التساؤل، وأنا أقرأ عن خبر نشرته الحياة (6 مايو) عن عقوبة مالية قدرها مليونان ونصف المليون دولار (قرابة عشرة ملايين ريال) أوقعها قاضٍ ضد شركتين معًا مقابل الأذى الذي تسببت فيه عظمة دجاجة علقت بحلق (زبونة) في الولاياتالمتحدة عمرها 59 عامًا، وانتهت إلى مكوثها في المستشفى 33 يومًا خضعت خلالها ل11 عملية جراحية وتحولت في نهاية المطاف إلى شخص مصاب بالإرهاق العام حتى لو مشت خطوات معدودة. وحدد القاضي مسؤولية الشركة الموردة للدجاج بنسبة 60%، والبقية على الأخرى التي طهت وقدمت (بيتزا الدجاج) للزبونة المسكينة. وقد لا يجانبني الصواب لو جزمت بأن العقوبة ستكون أقل بالتأكيد لو أن شركة المطاعم كانت ناشئة وذات وضع مالي بسيط، وكذلك الحال مع شركة توريد الدجاج. وفي حالات الأخطاء الطبية الفاحشة التي تقع في بعض مستشفياتنا والخاصة منها تحديدًا تصدر أحكام مخففة للغاية، ويُؤمر بعوض مالي لا يسمن ولا يغني من آلام قد تمتد طوال العمر أو إعاقة ليس منها مفر، بينما واقع الحال أن المستشفى قادر أولًا على الالتزام بعلاج المتضرر إلى يوم يتوفاه الله، ثم دفع عوض مالي مناسب لحجم الخطأ الواقع، وليس كثيرًا أن يكون في خانة الملايين المتعددة، لأن ضآلة الغرم تؤدي غالبًا إلى استمرار الغبن المتمثل في سوء التشخيص حينًا، وفي سوء الجراحة أحيانًا أخرى، وأحيانًا حتى في الإهمال والتقصير.