لو كان الأمر لي، لما أبقيت في نظام هيئة الصحفيين السعوديين بنداً يتيح الفرصة مجدداً لرؤساء تحرير الصحف السعودية لتسنّم مناصب الهيئة العليا. وأول ما يلفت أن أغلب كتاب الرأي المرموقين لم يتطرقوا لنتائج تلك الانتخابات لا نقداً ولا مدحاً، فهم يكتبون في تلك الصحف التي حظي رؤساؤها بنصيب الأسد في الانتخابات، وهم لا يريدون بمقالاتهم النقدية أن يغضبوا أحداً، لكنني أجازف هنا بنيل غضبة من رئيس هذه الصحيفة الفتية!. إنني أثمن أدوار رؤساء التحرير الأجلاء، وعدد منهم رائد ومؤثر حقيقي في مسيرة صحافتنا، لكنني توجست، كالكثيرين، من احتلال سبعة منهم لمقاعد الهيئة، فما يظهره لنا هذا التسابق الغريب هو أن هناك تحالفا معلناً للهيمنة على قرارات الهيئة وبرامجها، يتضامن مع تحالفهم المضمر على قيادة الصحف. وقد شعرت أن هناك تعارضاً واضحاً في مصالح الصحفيين والصحفيات حين يلعب رؤساء التحرير الدورين في وقت واحد، فكيف يمكن المحافظة على العدل والشفافية حين ننقل مطالب الصحفيين وقضايا تظلمهم وشكاواهم إلى الهيئة التي يديرها نفس رؤساء التحرير المرابطين على ثغور الصحف؟. أقول هذا لأنه ليس هناك أطر قانونية ملزمة ومضمونة التنفيذ تحكم ما يحدث في البيئة الصحفية والإعلامية في مجملها، كما أن القرارات الفردية وأحياناً المزاجية، والنوازع الاجتماعية (القبيلة والقرابة والولاء والتقارب الفكري) لا تزال تتحكم في مصائر الصحفيين. إذ لا أبسط من أن يرتقي السلم الإداري الصحفي أناس تكمن كفاءاتهم في الولاء المطلق لتوجيهات رؤساء التحرير لا إلى قدراتهم ومواهبهم الإبداعية في تطوير أداء الصحيفة ومضمونها وتوسيع دائرة انتشارها. من شأن هذا الفوز المحجوز (للكبار فقط) أن يحرم صحفنا من الكفاءات الشابة الواعدة التي ولدت في كنف الصحافة الجديدة والشبكات الاجتماعية بنماذجها (فيسبوك وتويتر والآيفون وغيرها من منتجات الصحافة الرقمية) ودعمتها بالدراسة الأكاديمية في جامعات عالمية مرموقة. هذه الكفاءات إذا ما وضعت في أماكنها الصحيحة لنقل كل صحافتنا إلى أفق جديد، فإنها ستتسرب إلى وظائف لا تمت إلى تخصصاتها بصلة وسينطفئون فيها، وإن أذاقها الدهر مراراته، هرعت إلى ميادين الحيوية الإعلامية في دول الخليج المجاورة، والشواهد لا تحصى. أفكر أيضاً هل سيملك هؤلاء الرؤساء الوقت الكافي لقضائه في مقاعد الهيئة، أليست مهماتهم التحريرية اليومية ثقيلة إلى هذه الدرجة؟ فإن بقي لهم وقت فينبغي عليهم السهر على تطوير وتدريب القدرات الناشئة وتسهيل ذهابها إلى المعاهد والأكاديميات المتخصصة عالمياً، لا عربياً، فالحال من بعضه. أعتقد أن أهم شرط لعمل هذه الهيئة هو استقلالية قراراتها عن كل المؤثرات والضغوط سواء تلك التي تأتي من وزارة الثقافة والإعلام، أو تلك التي تمليها بعض الوزارات والجهات النافذة، أو تلك التي تصل من رؤساء التحرير. الصحف عاجزة عن التنبؤ بمصيرها في غابة الإعلام الجديد، وربما الهيئة كذلك..!