و أقول لكم و بكل صراحة إنني كل مرة أدخل المحكمة يدور في ذهني ما اسمعه من الكثير من الأحاديث عن المحاكم و القضاة. و كنت أسمع بأن منسوبي المحكمة لا يداومون مبكرا و أنك لا ترى ابتسامة على وجه أحد و أن المعاملات تمشي كالسلحفاة. و لكن كان الوضع مختلفا عن ما أسمعه. و مع أنني لا أعرف أحدا في محكمة الخبر و لكن كانت تجربتي مريحة و تثلج الصدر. فبالرغم من ذهابي للمحكمة مبكرا (الساعة الثامنة) فقد رأيت المحكمة و كأنها خلية النحل. و واضح أن الكل موجود منذ وقت أبكر و المكاتب كلها مفتوحة. دخلت المحكمة لأول مرة في حياتي في الأحساء قبل حوالي عشرين سنة. و ذلك لعمل توكيل لأحد أبناء عمومتي قبل سفري للخارج. و قبل فترة و جيزة دخلت محكمة الخبر مرتين, احداهما لإصدار وكالة لأخي الأكبر بعد وفاة والدي رحمه الله و في المرتين اللتين كنت في محكمة الخبر دخلت على الكثير من المكاتب لإنهاء الأوراق. و قد كان العمل منظما. فهناك أرقام للانتظار و جميع الممرات بها كراس للانتظار و التكييف يجعلك مرتاح البال. و مع أن طوابير المراجعين كثيرة, إلا أن الأمور مضت بسلاسة. و أعجبت بتعاملهم بتقنيات الكمبيوتر في تناول المعاملات و ارسالها من مكتب إلى آخر.و حتى رجل أمن مجمع المحاكم عندما سألته عن طريقة توصيل المعاملة من مكتب إلى مكتب شرح لي بأسلوب يدل على إلمامه بتكنولوجيا العصر. و المعاملات تنتهي بأسرع مما توقعته. و أكثر ما أثلج صدري هو أنني دخلت مكاتب كثيرة في المحكمة و كل مرة أدخل و أسلم على الشيخ الموجود يرد على تحيتي بأحس منها. و ترى الابتسامة على محياه رغم أنني لا أعرفه. بل انني في نهاية الأمر و بالخطأ أخذت صورة الوكالة و ليست الأصلية. و ما كان من الشيخ إلا أن ترك مكتبه و لحقني ليعطيني إياها و عندما اعتذرت طمأنني بابتسامة على وجهه أزالت عني الحرج. و قد كان حسن التعامل ليس للمواطنين فقط. بل أخبرني أحد المواطنين السوريين (أحمد) أنه ذهب شبه متخوف للمحكمة في القطيف لانجاز أمر خاص لابنته, و يقول إنه تفاجأ بأن القاضي تعامل معه و كأنه يعرفه. بل أن القاضي قام باعطائه و بكل رحابة صدر جميع الأمور التي من شأنها مساعدة ابنته. و بكل أمانة فقد رأيت تعاملا و وجوها مبتسمة في محكمة الخبر, لم أرها في الكثير من الدوائر الحكومية.