لم تكن منيفة الدوسري التي تبلغ من العمر 56 عاماً تعرف أن «أميتها» ستكون سبباً في ضياع حقها في النفقة والحضانة، مع طليقها، فعندما دخلت إلى محكمة الدمام لإنهاء بعض الأوراق والمعاملات الخاصة لرفع دعوة تطالب فيها بحق النفقة ورؤية أطفالها وجدت نفسها تتخبط بين الرجال فحاولت أن تسأل من هنا وهناك إلا أنها لم تتوصل إلى إجابة واضحة، إلى أن ساقها القدر لتلتقي في بهو المحكمة نفسها بأكاديمية تتابع هي الأخرى معاملة طلاق، حاولت الأكاديمية نورة محمد أن ترشد منيفة إلى الخطوات المتبعة والمكاتب المخولة بإنهاء معاملتها، إلا أنها اكتشفت أنها «لا تعرف الكتابة، وهذا الأمر أهدر عليها حقوقاً كثيرة كانت تطالب بها». تقول نورة: «رأيتها تتخبط ووصل بها الحال إلى البكاء فهي تائهة بين البوابات لعدم قدرتها على القراءة أيضاً، وعندما أيقنت أنها بحاجة إلى مساعدة ذهبت إليها وسألتها إن كانت تريد المساعدة»، وتضيف: «اعتقدت أن جهلها كان سببه عدم الإحاطة بالمكان الذي هي فيه، لكنني صعقت حين اكتشفت أنها غير قادرة على الكتابة، وبالتالي هي عاجزة عن ملء استمارات الطلبات بنفسها، ومواجهة القضاة وغيرها من الأمور التي تتطلبها المحاكم في المعاملات». وتتابع: «ما حدث لمنيفة نبهني لوجود كثيرات غيرها كن يتخبطن في أروقة المحكمة وهن جاهلات تماماً بالإجراءات والأنظمة، وينتظرن من يساعدهن من النساء المتعلمات، إنه أمر مؤسف حقا». وإزاء هذا الوضع «المحزن والمزري في آن» لم ترغب نورة أن تقف مكتوفة الأيدي، لذا استجمعت قواها ودخلت على القاضي وشرحت له الوضع الذي رأته، واقترحت عليه أن تعمل «متطوعة» بعض أيام الأسبوع لمساعدة النساء الأميات اللاتي تضيع حقوقهن بسبب عدم قدرتهن على الكتابة والقراءة «حاولت إقناع القاضي بذلك لكن محاولتي باءت بالفشل على رغم أنني حاصلة على الدكتوراه واعمل في إحدى الكليات بمنطقة الدمام منذ أعوام وواجهت مشكلة الطلاق وطالبت بحقوقي كافة بعد أن تسلحت بالعلم والمعرفة ما خولني للحصول على حقوقي كافة، وطليقي الآن يحاول إقناعي بالتنازل عن بعض القضايا». ولا تنحصر هذه الحال في منيفة وحدها، وإنما تطال أخريات غيرها، وهو ما تعلق عليه الاختصاصية في علم الاجتماع مي المرشدي بقولها: «بعض من الأميات المطلقات والأرامل يتغاضين عن حقوقهن لما يرينه من صعوبات في المتابعة وعدم قدرتهن على الكتابة والقراءة وهذه مشكلة بحد ذاتها، فخلال زيارتي إلى محكمة الخبر وجدت أن المشكلة لها تشعبات عدة ولها تأثيرات تصل إلى حد انتهاك حقوق المطلقات والأرامل وهذا الأمر يجب معالجته فوراً، وإتاحة الفرصة للأميات بمتابعة معاملاتهن واخذ حقوقهن كافة، بتوفر من تساعدهن على ذلك ليتجاوزن معضلة جهلهن». وتستطرد: «لاحظت خلال زيارتي للمحكمة أن يتنقلن من غرفة إلى أخرى طلباً للمساعدة، لكن هذه المساعدة لا تتاح أبداً، لذا أطالب بوجود مكاتب إرشادية نسائية داخل المحاكم، لأن ما رأيته خلال زيارتي محزن ومخزٍ حقاً، نساء كبيرات في السن جالسات ينتظرن رحمة العابرين وأن يعطفوا عليهن لتعبئة استمارات المراجعة والبيانات».