إن أخطر النفاق هو "النفاق الاعتقادي"؛ لأنه يضيّع به معتنقه الإيمان، فيستحق أن يكون في الدرك الأسفل من النار عبدالله فراج الشريف - المدينة السعودية لا أحد منا لا يدرك ما يدل عليه هذا المصطلح «النفاق» الديني، فتعريف النفاق من الناحية الدينية: (أن يستر الكافر كفره، ويظهر الإسلام، فيعلن للناس غير ما يبطن)، وهو بهذا المعنى خطر جدًّا، لأنه إنما راعى الخلق في ما يظهره من اتّباع للإسلام وأحكامه، ولم يرعَ حق الله عليه، درأ العذاب عن نفسه في الدنيا، وأوجبه على نفسه في الآخرة فأهلكها، وهذا ضرر واقع عليه دون غيره، فالناس إنما يتعاملون بالظاهر، ولا اطّلاع لهم على ما في الصدور، والتاريخ أثبت أن كل من أظهر الإيمان بشيء وهو عدو له لم يستطع أن يضر من آمن حقًّا مهما بذل من جهد، فالمنافقون في العهد الأول للإسلام لم يستطيعوا التأثير على المسلمين الأوائل، وكشفتهم للناس أفعالهم، انتصر الإسلام، وهزموا، وظهر الحق وزاغ باطلهم، وأخطر النفاق هو هذا النوع والذي نسميه النفاق الاعتقادي، لأنه يضيع به معتنقه الإيمان، فيستحق أن يكون في الدرك الأسفل من النار، ومنه نوع لا يزال يعيش في زماننا هذا، ويتلبس به بعض الخلق ممّن ضعف في البدء إيمانهم، ثم نما عندهم كراهية للدِّين، لظنّهم أنه يمنعهم ممّا يشتهون، وقد يرتد بعضهم عن الدِّين، تعرف ذلك في لحن القول، واعتراضهم على أصول الدِّين وقطعياته، حينما يزعم أنها تؤخّر الأمة، أو تفسد حياتها، وهذا أدله، وهم يتكاثر في الأذهان ويرسّخ، حتى يراه هؤلاء الحقائق التي لا يحيدون عنها، وصغار السن من المراهقين والشباب هم الذين يستهدفون بهذا النوع من النفاق، وقد يقتنعون به إذا زينت لهم الحقائق، وخوطبت فيهم الغرائز واستثيرت الشهوات، ولعل هذا مثل سابقه ضرره الأكبر على صاحبه، ولن يستطيع به أحد أن يسلب عن أحد إيمانه، وسينفر منه كل مؤمن امتلأ قلبه بحب الله ورسوله، ولكن أسوأ ألوان النفاق هو ما يسميه بعض العلماء بالنفاق العملي، وقد يقولون عنه النفاق الأصغر، بالنسبة للنوع الأول الاعتقادي الذي هو الأكبر لأنه كفر صريح، والتلبيس على الخلق عبر هذا النفاق العملي، وهو السائد في زماننا، وأدله ما رواه أبوهريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: آية المنافق ثلاث: (إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)، وفي رواية: (إذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر)، فظاهرة الكذب إذا شاعت في مجتمع دب فيه الفساد، فالكاذبون يزوّرون الحقائق، ويجعلون الحق باطلاً، والباطل حقًّا، فإذا كان بينهم مسؤول عُهد إليه أمانة القيام على شيء من شؤون الناس، فلم يصارحهم بالحقائق، وأخفاها عنهم، وصور لهم الحال بضد ما هو عليه في حقيقة الأمر، فإذا استفحل الأمر، وانكشف ما كان يستره بكذبه كانت الكارثة، وقلَّ أن تجدَ كاذبًا يفي بما وعد، فهو يعدْ الناس بكثير ممّا يسهل عليهم الحياة، ولكنه دومًا يخلفهم ما وعدهم به، وكذا من تأصّلت في نفسه هذه الرذيلة -أعني الكذب- لن تجد له أمانة، فكل أولئك الذين تمتد أيديهم إلى المال العام أو الخاص بالاختلاس، أو الانتهاب كاذبون، فهو لا يؤتمن على مال ولا حق، لأن الخيانة من الرذائل التي تنتج عن أس الرذائل وهو الكذب، ثم تأتي ثمرة هي الأسوأ من ثمار الكذب هي ما عبّر عنها سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا خاصم فجر)، فالفجور في الخصومة إنما تعني أن ينسب إلى خصمه ما لم يقله، ولم يفعله، ويشنع به عليه، ويستحضر له أسوأ التُّهم وهو يعلم أنها ليست فيه، بل لعله هو مَن يتّصف بها، وهذا الأمر نلحظه في زماننا بكثرة، وقد يلجأ إليه بعض مَن يدّعون العلم، والعلم يبرأ منهم، ثم يضم إلى ذلك من ثمار هذه الرذيلة الغدر، فلا يعتريه خجل وهو يعاهد، ويبذل للناس المواثيق، لكنه لا يلتزم بشيء منها أبدًا، فالنفاق العملي سادتي القرّاء هو الأكبر سوءًا، وتأثيره مباشر على حياة الناس، فهو المؤسس الأصيل للفساد بكل ألوانه، فالواجب أن ننشر الوعي بذلك بين الناس، ودعوتهم إلى الخير، وأن يتبرأوا من رذائل النفاق من كذب وخلف وعد، وخيانة أمانة وفجور عند الخصومة، وغدر بعد العهد، فهي الرذائل التي أفسدت حياة الناس عبر العصور، وظهرت للناس نتائجها السيئة بما لم يعد يخفى على أحد، فهل نحن قادرون على إشاعة الفضائل في مجتمعنا، ودرأ الرذائل عنه، هو ما أرجو أن نكون قادرين عليه، والله ولي التوفيق.