كنت مرة في أحد الأحياء التي يتجاور فيها مستشفيان للمدينة أحدهما قديم والآخر جديد، وبجانبهما كان هناك منزل أحد المعالجين بالقرآن، فقادني حب الاستطلاع إلى زيارته وتسجيل حوار معه، لم أجده ولم يكن غريباً أن أرى تلك (الجمهرة) من البشر يتجمَّعون في ساحة تظلِّلها شجرة كبيرة وعلى بلاطها ينتصب سرير حديدي بجانب غرفة العلاج.. مرضى ومرافقوهم ينتظرون الشيخ الذي يأتي في سيارته (اللاندكروزر) بعد قليل ويطفئها ويغلقها بعجلة لا تمكّنه حتى من الرد على استئذاني له بالدخول والتصوير وعمل لقاء سريع، وإذا كان صمته رضاً كما يقول العرب، فإنه كان غريباً أيضاً فلم يهمس بكلمة، فقط كان يمسِّد لحيته الكثة ويشير على أحد المرضى بالدخول دلالة على أن وعداً كان بينهما على هذا الوقت واعتذر في الداخل عن تأخره.. أما الذين كانوا خارج الغرفة فامتنعوا عن مواجهة الكاميرا وفرّوا منها إلى الداخل حيث تجري طقوس العلاج بكلام الله ورقية الماء والزيت والنفخ فيهما أو عملية مشابهة. ذكر لي الشيخ، فيما بعد، أن أكثر مراجعيه من النساء وقد تبدّى له كثيرا مدى سيطرة (الوهم) على معظمهن، لكنه لا يفاجئهن بحكمه هذا ويبذل قدرة عجيبة في مجاراتهن حيث الاقتناع المسيطر عليهن بالمرض والوسوسة الدائمة، ويقول إنه دائما ما يذكرهن بالصلاة والذكر وأن أكثر الذين يتعرّضون لهذه الهزّات هم الذين يتكاسلون عن الصلاة ويهملونها.. أما الكلام الذي يقوله الشيطان على لسان المريض واتهامه لشخص آخر صديق أو قريب للمريض بأنه هو السبب مع يقيننا بأن الشيطان يكذب ليوقع بين الناس، فأتذكر أن الشيخ أكَّد لي بأنه يقول ذلك لذوي المريض قبل العلاج ويحذّرهم ويعطيهم درساً بأن الشيطان الذي في داخل مريضهم قد يأتي بذكر فلان أو فلانة بقصد الأذية! و»آخذ منهم عهدا على كتاب الله بأن لا ينساقوا خلف ما يقوله ولا يحدثوا أية مشكلة». ربما أن الشيخ صادق في مسألة أخذ العهد تلك وعدم مطاوعة كلام الجان، إلا أن الواقع يخبرنا بحدوث مشكلات عديدة لهذا السبب بين أقارب وأصحاب. غير أننا كمجتمع، كما قلت من قبل، نولع كثيراً بالتبرير الجاهز «السحر» عند حدوث أي تغيّر في حياتنا أو حياة أبنائنا: انقطاع عن عمل، انهيار زواج، فشل دراسة، انحراف، مرض، ومن ثم تبدأ رحلة العذاب الطويلة البحث عن العلاج وعن الجاني معا!