في آخر ثمانينيات القرن الميلادي الماضي سمعت أستاذاً في جامعة أكسفورد يقول إن عِرق البريطانيين وجيناتهم الوراثية من بين الأقل نقاوة والأكثر تعقيداً في العالم لأنها خليط من أعراق شتى تشمل سكان الجزيرة الأصليين (السيلتكس) والغزاة الرومان اللاتينيين وعبيدهم وجنودهم الأفارقة، ثم الغزاة من قبائل الإنجليز والساكسون الألمان. ويُضيف أن هذا التعقيد الجيني أكسبهم خصائص دعمت إنجازاتهم في العصور الأخيرة. وفي عام 2007م نشر أُستاذ الاقتصاد الأمريكي (قريقوري كلارك) كتابه (وداعاً للصدقات؛ تاريخ موجز للاقتصاد العالمي) مُقدماً فيه نظرية جديدة لتفسير سبب انبثاق الثورة الصناعية في بريطانيا مفادها وجود أسباب ثقافية وجينية تبلورت على مدى عدة قرون من الانتخاب الطبيعي الناتج عن الزيادة الدورية في عدد السكان عن الغذاء المتوفر، ثم المجاعة والموت الجماعي الذي يعيد التوازن من جديد (مصيدة مالتيوس). ويرى الأستاذ كلارك أن هذا الانتخاب الطبيعي قضى على الطبقات الفقيرة في بريطانيا في حين أن الأغنياء نجوا ونجحوا في التكاثر، مما سبب هجرة مستمرة من الطبقات العليا إلى باقي الطبقات. وترتب على ذلك أن هيمنت على المجتمع قيم الطبقة العليا (العقل والمنطق والعمل الشاق والتوفير) بدلاً من قيم مُجتمع الصيد البدائي السائدة في بريطانيا حتى القرن الثامن عشر: (العدوانية والبساطة والكسل وقلة الصبر وانعدام الادخار). يعتقد المؤلف أن هذا التغير في السلوك تبرمج مع الزمن في جينات البريطانيين مُمهداً لانبثاق الثورة الصناعية عام 1800م في تلك الجزيرة العبقرية. تعرضت هذه النظرية لنقد حاد ووُصمت بالعنصرية، ولعل أقوى نقد وُجه لها هو أن الفترة الزمنية التي غطتها الدراسة (1200-1800م) لا تكفي لإدخال تحوير ملموس في جينات البشر.