يبني الصحفي عمله على أسئلة مهمة، يحاول الإجابة عنها، من؟ متى؟ كيف؟ لماذا؟ أين؟ وغيرها من الأسئلة التي تشبع نهم القارئ أو المشاهد، ويفترض على الجهات الحكومية تحضير الإجابات المناسبة والمقنعة، وعليها أن تعطينا دائماً نحن الجمهور والمتعاملين معها مبررات منطقية. ما نلاحظه - للأسف - تعتيم إعلامي تمارسه جهات حكومية، لا يتنازل رؤساؤها للصحافة والصحفيين، وفي اعتقادهم أن الإعلام يسعى لتخريب إنجازاتهم وتقويض مشاريعهم وكشف ما لا يتوجب كشفه “حرصاً على المصلحة العامة”! وهذا يظهر جهل المخططين الإعلاميين في تلك الجهات. وهنا لا أعمم؛ لأن هناك مسؤولين واجهوا الصحافة بثقة وانفتاح، وتعاملوا معها برقي وأدب، ومنهم في هذه الفترة وزير العدل الذي حلّ ضيفاً على صحيفتنا “الجزيرة”، واستقبل أسئلة كتّاب الرأي والصحفيين برحابة صدر، وكذلك وزير التربية والتعليم الذي ظهر في برنامج الثامنة على قناة mbc مع مقدمه المتميز داود الشريان، وتلقى التساؤلات الساخنة، وتجاوب مع طلب البرنامج، وكلف المسؤولين المباشرين بالظهور مع داود بعد تمنعهم قبل استضافة وزيرهم الأمير فيصل بن عبدالله. من المعيب أن تستمر وزارات وجهات حكومية في تجاهل الإعلام والإعلاميين وعدم التجاوب مع الطلبات المتكررة باستضافة المسؤولين في هذه الجهات في مقابلات صحفية أو تلفزيونية، وهم بذلك يخفون الصورة الحقيقية عن المواطن، ويسمحون للشائعات بالانتشار نظراً لغياب المعلومة الصحيحة من مصدرها الرسمي. أحيي هنا الشفافية العالية التي تنتهجها وزارة الداخلية والجهد المميز في كشف كل صغيرة وكبيرة بلا تأخير، وخصوصاً في الأمور الأمنية الحساسة. وتُعتبر الداخلية الجهة الحكومية الرائدة في تعيين متحدث رسمي، والتأسيس لثقافة المعلومة الرسمية التي كانت في السابق غير موجودة، وإن وجدت تكون عبارة عن ردة فعل، لنفي أخبار أو معلومات فقط لا غير. يجب أن يعي المسؤول الحكومي أن الصحافة ليس دورها تلميع صورته، وإعطاء صورة عنه بأنه يعمل بجد وإخلاص، دور الصحافة الاستقصاء، والتحقيق، والمتابعة، لنقل المعلومة الصحيحة للمواطن، ولإظهار الخلل أمام الجميع، مع الحرص على أمن واستقرار المجتمع وتحقيق الغايات الوطنية. يجب أن يتوقف مسلسل الاعتذارات والهروب من المواجهة، وأن يتمتع المسؤول الحكومي بالجرأة والثقة بالنفس، وأن يتذكر أنه خادم للمواطن، وملزم بتوضيح كل صغيرة وكبيرة، وألا يتكبر على أحد، ولا ينتقص من دور الصحافة؛ ففي زمن عبدالله بن عبدالعزيز - وفقه الله - على المسؤول أن يواجه الحقائق، ويبيِّن الخافي، وأن يرفض سلوكيات موظفي العلاقات العامة في النفي والتحوير والمراوغة، رغبة في التطبيل لمعاليه أو سعادته. عن قرب: “وطنكم مثل ما أنتم شايفينه، ولله الحمد يعني الأمور إن شاء الله هادية فيه ومستقرة ولكن ما فيه شك أنا لست مقتنعاً إلى الآن، في رأسي أكثر من الذي صار، وإن شاء الله إنه سيتحقق بجهودكم معي، جهود الشعب السعودي معي، لأني أنا بدونكم لا شيء، بدون الشعب السعودي أنا لا شيء، أنا فرد منكم وإليكم، وأستعين بالله ثم بكم” الملك الوالد عبدالله بن عبدالعزيز.