دولة بلا عدل يحكمها قانون الغاب، لذلك اعتُمد مشروع تطوير القضاء، كمشروع حيوي يهدف إلى تعزيز موقع المملكة العدلي، وتأصيل دولة العدل والقانون والشريعة في آن واحد. القضاء من أولى المؤسسات التي يجب أن تتحقق فيها الاستقلالية، فالقاضي لكي ينظر ويدرس ويتأمل ويحكم يجب أن لا يتأثر بأي مؤثر. كذلك المؤسسة القضائية، استقلاليتها من أولى أولويات دولة العدل، وهذه الاستقلالية متحققة في المملكة من الناحية الشكلية، حيث يعني أن القضاء مؤسسة لها استقلاليتها عن مؤسسات الدولة الأخرى وهي المجلس الأعلى للقضاء. لكن.. الملاحظ أن استقلالية المجلس فيها نظر، فالمجلس لا يتمتع بالاستقلالية المالية الكاملة، حيث يتحتم أن تمر الاعتمادات المالية للمجلس عبر قناة وزارة العدل. المجلس الأعلى للقضاء هو العمود الفقري للنظام القضائي، والذي يعنى بالقضاء والعدل في المملكة، لذلك يجب أن يحفظ له جاهه وقوته وشموخه، وبدون استقلالية مالية للمجلس فإنه يفقد جزءا أصيلا من قوامته في النظام العدلي. كيف نستطيع تصور المجلس الأعلى للقضاء وهو لا يستطيع صرف مخصصاته إلا عن طريق مؤسسة حكومية أخرى، حتى لو كانت هذه المؤسسة هي «وزارة العدل» الشقيقة الحميمة للمجلس. إن وضع الاستقلالية المالية للمجلس يذكرني بحالة مدير عام الشركة الذي يملك جميع الصلاحيات في التوظيف والفصل والتقييم والإنتاج والبيع والشراء والتسويق، إلا أنه لا يستطيع توقيع أي شيك، وصلاحية توقيع الشيكات ليست عند رئيس مجلس الإدارة، بل عند مدير شركة أخرى! يجب أن نتواصى دائماً بأن المجلس الأعلى للقضاء مؤسسة يجب أن تحفظ لها كرامتها وعزتها.. كما هو القاضي، وبقدر ما تُحفظ هذه الكرامة وهذه العزة.. سنحافظ على الاستقلالية للمجلس والقضاة الكرام. في رأيي.. لا قيمة لمشروع تطوير القضاء بالرغم من عظمته، ما لم يحصل المجلس والقضاة على استقلاليتهم المطلقة المتزامنة مع المحاسبة الدقيقة. حررت هذا المقال قبل تكليف معالي وزير العدل بمهام رئيس المجلس الأعلى للقضاء! كتبته منتقداً التبعية المالية فماذا عساي أن أقول عن التبعية الكلية! في فمي ماء كثير.