معارض الكتب عمومًا من أجمل وأمتع وأهم المناشط العلمية والثقافية في أي مجتمع، فهو أشبه ما يكون بسوق كبير تجلب إليه وفيه أبرز ما تدفع به المطابع من دراسات وبحوث، وتجتمع فيه عصارات العقول ونتائج الأفكار والمجتمع الذي يحتفي بهذه المعارض، ويعتني بها تنظيمًا ومشاركةً وحضورًا فهو دليل على رقيه وثقافته، لذلك ومن الإنصاف أن نشكر وزارة الثقافة والإعلام على عنايتها بهذا الجانب وتوليه تنظيمًا وإعدادًا. ومعرض الكتاب لهذا العام استمتعت جدًا بزيارته وما شدني إليه وإطالة المكث فيه هو تنوع الكتب، وكثرة الجديد، وحسن التنظيم، وفي الدراسات الشرعية والفكرية تحديدًا وجدت كمًّا طيّبًا من المؤلفات الحديثة، ولفت نظري كثرة من يسألني عن (المعرض) هل هناك مشكلات؟ هل هناك مقاطعة؟ ولا شك أن الجواب عن ذلك هو: الواقع فهو خير دليل. وواقع معارض الكتب لمَن كان له خبرة فيها، وتعود على زيارتها وفي جميع البلدان التي يقام فيها، في القاهرة، أو الشارقة، أو الدارالبيضاء، أو الرياض، يعلم -وبسهولة- أن النسبة الغالبة من الحضور هم من طلبة العلم الشرعي، وأكثر دور النشر، وأكثر ما يباع هو ما يؤلف في الدراسات الشرعية عمومًا باختلاف أنواعها. ولو صحت دعوى المقاطعة، أو وقعت فعلاً لكانت النتيجة هي: فشل هذه المعارض أو ضعفها..! أمّا ما يتعلق بمنع الكتب، فأصل مشروعية منع الضار هو أصل صحيح وسائغ، ولكن الذي هو محل نظر واجتهاد واختلاف هو معايير هذا المنع، فهناك كتب خطيرة جدًّا في فكرها وما تتبناه من أفكار لاسيما في القضايا الشرعية قد لا يلتفت لها أحد، ولا يستطيع أن يكتشف خطورة ذلك أي أحد! ومع ذلك فهي منتشرة وموجودة، وفي معظم المكتبات، وغالبًا لا يلتفت إلاّ للكتب التي يصاحبها إثارة من نوع ما! أمّا ما كان فيه إساءة ظاهرة وواضحة للمقدسات والمسلّمات، وتستفز مشاعر المسلمين عمومًا، فهذا لا خير فيه، ولا في نشره، فهو ممّا ينبغي منعه ولا شك، ولكن تظل هذه المعايير محل نظر واجتهاد، وينبغي أن تتسع صدورنا وأفكارنا لهذا الخلاف. وقد لاحظت أن وزارة الثقافة -وهي الجهة المنظمة لهذه التظاهرة- تحصر اهتمامها في المؤلفات الفائزة بجوائز في فئة الأدباء، أو مَن يصنّفون في فئة المثقفين، وتضرب صفحًا عن المؤلفين، أو المؤلفات المتميّزة في الدراسات الشرعية، والتي قد يكون بعضها من أكثر الكتب مبيعًا وطلبًا عند الزائرين عمومًا! ولا أدري سببا لذلك!. أعود وأقول: إن كثرة الزائرين والمهتمين تدل على أن المجتمع يتجه بقوة إلى القراءة والثقافة والعلم، وهذا أمر يبشر بخير.