حمّاد بن حامد السالمي - الجزيرة السعودية إذا أقيم معرض للكتاب -معرض الرياض الدولي للكتاب نموذجاً- رأيت مئات آلاف الناس وهم يتدافعون على أبوابه، ويتزاحمون في طرقاته، ويتحلقون حول دور النشر فيه، ويتخذ بعضهم مقعداً على طرف هذه الدار؛ أو في وسط تلك، يقلب صفحات الكتب، ويتأمل محتوياتها. فمن هم هؤلاء الذين يرتادون هذه المعارض ويحرصون عليها.. - إنهم صفوة المجتمع بدون أدنى شك، من علمائه، وفقهائه، وكُتّابه، ومثقفيه، ومؤلفيه، وباحثيه، وطلاب العلم فيه. هم أولئك الذين بلغوا نضجهم، وملكوا رشدهم، فمن العار والشنار، أن يأتي من بينهم من يشكك في أخلاقهم، ويحكم على نواياهم، ويصادر عقولهم، ويفرض عليهم وصاية الكبير على الصغير، والعاقل على المجنون، والصاحي على النائم. - الذين يذهبون إلى معارض الكتب، يعرفون أنهم يرتادون منابع أصيلة للعلوم والفكر والثقافة والفنون. يحتكون مباشرة بالورق الذي يحمل خلاصة تجارب أمم الأرض وشعوبها، وأنهم إذا منعوا من ارتياد هذه المنابع، فسوف يصلون إليها وهم في غرف نومهم، لأنها متاحة رقمياً لكل باحث وراغب وطالب. لقد ولّى زمن الرقيب الورقي، وولّى زمن الوصي الديني والثقافي والاجتماعي. لا بد أن ندخل في حركية التاريخ المعاصر، بعقلية العصر الذي نعيشه لا العصور الماضية، وأن نفهم جيداً؛ أن التشبث بفوقية البعض على البعض الآخر، هي عبث عابث لا أكثر، وأن الرقابة على ما يأكل الناس ويلبسون، هي فوضى تولد فوضى أكبر منها، وأن الوصاية على عقول العقلاء من الناس، هي الجنون الذي يجب أن يتوقف عند حده. - الذين يذهبون إلى معارض الكتب، طلاب علم حتى وإن علت بهم رتبهم العلمية والعملية والإدارية، وبالتالي فإن الذين يسعون للحيلولة بينهم وبين مصادر المعرفة، ليسوا أكثر من حاقدين وحاسدين وجهلة -كما قال بذلك الأمير خالد الفيصل وهو يزور معرض الرياض الدولي للكتاب قبل أيام- حاقدين وحاسدين، لأنهم يرون كماً هائلاً من الإنتاج الفكري والعلمي والإبداعي، يقبل عليه الناس، ويكون همزة وصل وثقة بين مفكري العالم وكتابه ومبدعيه، وبين مئات آلاف الناس الذين يطلعون على نتاجهم، بينما كتبهم -إن كانت لهم كتب- بعيدة عن هذا الجو المعرفي البديع، وهذا هو الجهل الذي جعلهم يركنون إلى الحقد على الآخرين وحسدهم، ولو أنهم شاركوا بما لديهم في هذا العرس الثقافي الكبير، لكانوا جزءًا من هذه الحركية التنويرية، وليس أعداء لها ومحاربين لمسيرتها في كل عام. - ينبغي أن ننظر إلى معارض الكتب؛ نظرتنا إلى سوق عام، مثله مثل ( المولات ) المنتشرة في كل المدن، يرتادها كبار الناس وصغارهم. رجالهم ونساؤهم، فرواد أسواق الكتب هذه، ليسوا أكثر من متسوقين، يدخلون ويخرجون إما مشترين أو متفرجين، فليس كل مرتاد لهذه السوق ملزم بالشراء، وإنما هو محقق لفوائد جمة، يكفي البعض من رواد معارض الكتب، الاطلاع على قوائم النشر، وممارسة رياضة المشي، والتعرف على أناس آخرين غيره، وكسب صداقات علمية وفكرية وثقافية، وهذه من أهم المكاسب في مثل هذه اللقاءات. - لا ينبغي أن نصبغ على معارض الكتب في بلادنا صبغة التوحش. لقد عانى معرض الرياض الدولي للكتاب من التوحش كثيراً في الأعوام الفارطة. نحن نطمح إلى أن يصبح لمدننا الكبرى معارضها السنوية كذلك، مثل الذي هي عليه الرياض. لم لا..؟ خاصة وأن ثقلاً سكانياً وثقافياً كبيراً هو في منطقتي مكةالمكرمةوالشرقية. لعل أمير منطقة مكةالمكرمة يهدينا (معرض مكةالمكرمة الدولي للكتاب)، ولعل أمير المنطقة الشرقية يهدينا (معرض الدمام الدولي للكتاب). ثم في بقية المناطق فيما بعد. بلادنا بفضل الله قارة كبيرة، ولها زخمها وتنوعها السكاني والثقافي الكبير في المنطقة. - إن الذين يرتادون معرض الرياض الدولي للكتاب سنوياً، هم من المدعوين أو المقتدرين وهم قلة، وبقية طلاب العلم في كافة المناطق؛ لا تمكنهم ظروفهم العملية والاجتماعية والمالية من السفر إلى الرياض لزيارة معرضها والتزود من معروضاته. - قبل الختام.. أود أن أشيد بما ظهر به معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته هذا العام. كان التنظيم جيداً للغاية، وبرز الدور الإيجابي لوزارة الداخلية وهيئة الأمر بالمعروف بشكل لافت ومفرح. - يكفي المعرض هذا العام، أنه عكس الصورة الحضارية للمجتمع السعودي الذي يقدر العلم، ويحترم الثقافة، ويحسن التعامل الأخلاقي، دون الحاجة إلى حسيب أخلاقي، أو رقيب ميداني، يعد على الفرد منا خطواته، ويحصي عليه أنفاسه، ويسجل عليه لفتاته وضحكاته وابتساماته..!