سأعيدكم 14 قرناً إلى الوراء، عندما أصطحبكم معي إلى المدينة الإسلامية الأولى، مدينة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لتشاهدوا كيف كان مجلس قريش، أو بعبارة حديثة (برلمانها)، يضم في عضويته امرأة اسمها (سكينة بنت الحسين) حفيدة النبي عليه الصلاة والسلام، فهي بنت ابن ابنتة فاطمة الزهراء، وهي أيضاً بنت ابن ابن عمه رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب. هل تريدون أن تتعرفوا أكثر على عضوة البرلمان الأول في التاريخ الإسلامي؟ انفضوا التراب من فوق كتاب الأغاني (الجزء 16)، ثم اقرأوا ماذا يقول أبوالفرج الأصفهاني: «كانت سكينة عفيفة سَلَمَة (برزة) من النساء، تجالس الأجلّة من قريش ويجتمع إليها الشعراء، وكانت ظريفة مزاحة». وإذا كان (لسان العرب) قريباً منكم فقلبوا جيداً في صفحات حرف الباء إلى أن تعثروا على ما عدّده ابن منظور من دلالات ومعانٍ لِ»المرأة البرزة». يقول عنها: بارزة المحاسن.. البرزة من النساء التي ليست بالمتزايلة التي تزايلك بوجهها، أيْ تستره عنك، وتنكب على الأرض.. وقيل امرأة برزة متجالة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون عنها. وفي حديث أم معبد «البرزة من النساء الجليلة التي تظهر للناس ويجلس إليها القوم. وامرأة برزة موثوق برأيها وعفافها».. (انتهى) لماذا لم تكن «سكينة» تنكب بوجهها على الأرض وهي تجالس أجلة قريش؟ لأنها تثق بنفسها. من أين جاءتها هذه الثقة؟ بالتأكيد من نصفها الآخر، الرجل، الذي هو نصف المجتمع. لم يتحدث أحد يومها عما سيقع من فساد وشر وفتنة عندما تنتسب حفيدة الإمام علي بن أبي طالب إلى مجلس قريش وتشارك في مداولاته.. ولم يعلن أحد (ما) مخاوفه من حدوث الفتنة. كانت هناك ثقة بالمرأة، ثقة بعفافها، وتثمين لرأيها لأنها تمثل النصف الآخر للمجتمع المسلم، فدونها، دون رأيها الذي هو رمز وجودها، ودون مشاركتها في الحياة العامة، تصبح هذه الحياة ناقصة (تعكل) على قدم واحدة. لماذا كان المجتمع الأول كذلك، أيْ بتلك الصورة الزاهية سطحاً وعمقاً؟ إنها النفس (النظيفة) العفيفة الصالحة!