يجب أن أعترف بأن التنظير من «برج عاجي» كما يتهمنا البعض هو السبب الذي يجعلنا نطرح قضايا برجوازية لا تهم المجتمع ولا تسهم في خدمته، وهذا ما تأكد لي في الأسبوع الماضي حين زرت الرياض وركبت مع زوجي في مشوار بالسيارة ووجدته طوال المشوار غاضباً يزعق يميناً وشمالاً في السيارات من حوله ثم يلتفت إليّ حاسداً إياي قائلاً: «يا حظكم ياللي ما تسوقون». للمرة الأولى أعرف أنني قد تمتعت بنعمة لا يتمتع بها رجل في السعودية، وتذكرت رواية إحدى الزميلات عن ابنها الصغير الذي جلس يوماً وراء المقود وأخذ يقلد أنه يقود السيارة، لكن هذا التقليد لم يتوقف عند تحريكه مقود السيارة، بل أخذ يدير رأسه يميناً ويساراً متلفظاً بكلمات نابية ويشتم، وهو ما جعل والده ينظر إليها متسائلاً في دهشة: ماذا يفعل هذا الولد!؟ فردت عليه والدته بهدوء إنه يقلدك. هذه هي الصورة التي تعبّر عن مشهد رجل يقود سيارة في شوارع الرياض، والتي يلخصها البعض في أنها مغامرة غير مأمونة، والبعض يغيّر في حرفين فيقول إنها مخاطرة. لهذا قررت أن أدافع عن نعمة حظيت بها النساء في السعودية وأن أحرص بأن يتمتع بهذه النعمة جميع الذكور الذين هم أخي وأبي وزوجي وابني، وأطالب بأن تتم حمايتهم ورعايتهم والمحافظة عليهم بمنعهم من القيادة، حفاظاً على حياتهم أولاً وصحتهم العقلية ثانياً، وأود أن أزايد مع المزايدين الذين منعوا المرأة قيادة السيارة بحجة الخوف عليها من تبعات الطريق، فبالتأكيد أن قلوبهم لن تكون أكثر حباً وخوفاً علينا من حبنا وخوفنا عليهم، ولن يهنأ لنا أن ننعم، وهم يعيشون في جحيم قيادة السيارة في شوارع الرياض فنحن أيضاً نخاف عليهم ونقلق. منْع الطرفين رجالاً ونساءً من قيادة السيارة ليس هو الطريقة المثلى لحل مشكلات المرور، ولا سيما مع انعدام وسائل المواصلات العامة كالمترو والحافلات والنقل المؤسساتي، لكن بما أن قرار المنع عادةً ما يكون هو القرار الأسهل والأقل كلفة فإنني أطالب بحماية رجالنا الغالين من قيادة سياراتهم بأنفسهم في مثل هذه الشوارع التي أقل ما يقال عنها إنها تفتقر إلى التخطيط الجيد وللصيانة، فلا تجد شارعاً مهْمَا كان موقعه في منطقة غالية إلا وهو مليء بالحُفَر باستثناء الشوارع التي يمر فيها المسؤولون طبعاً، لأنها عادةً ما تكون تحت المراقبة والمساءلة، أما مشاريع تطوير الشوارع وتزويدها بالأنفاق والجسور فإنها تستغرق مدة زمنية طويلة فيما هي في أي مكان آخر في العالم تُنَفَّذ في أشهر. إن منظر السيارات المسرعة في شوارع الرياض يجعلك تشك في أنها تلعب لعبة جنونية فهي تتخاطف يميناً ويساراً بسرعة جنونية من دون أن يكون هناك ضابط ولا تنظيم مروري، وهكذا تتحول السيارة في الرياض إلى لعبة انتحارية أكثر منها وسيلة نقل، ولا نخسر بهذه الحالة صحتنا العقلية ولا أخلاق الطريق ولا نفاد صبرنا فقط، بل أيضاً أرواح شبابنا، فقد تزايد عدد الوفَيَات في السعودية حتى بلغت 16 قتيلاً كل يوم، هذا عدا الإعاقات والخسائر المادية في معالجة المصابين، إذ يبلغ متوسط كلفة أشغال سرير واحد في المستشفي يومياً ألف ريال، فضلاً عن متابعة المعوقين ثم خسارة الممتلكات. طالما أن أسهل قرار لحماية المرأة من مخاطر الطريق كان هو منعها من قيادة السيارة بنفسها فلن نكون أنانيات ولن نتمتع بهذه النعمة دونكم، وسنرفع من أجلكم شعارنا الجديد لا لقيادة الرجل السيارة.