جهاد الخازن - الحياة اللندينة كنت في طريقي من لندن إلى دبي للمشاركة في ملتقى عرب سات السنوي السادس للبث التلفزيوني الفضائي، ورأيت أن أتوقف يومين أو ثلاثة في القاهرة لأطمئن على مصر والأصدقاء فيها. ووجدت أن البلد كله في صعود، زاد الغلاء، زاد الفلتان الأمني، زادت البطالة، زاد الانقسام، حتى في «الكورة»، زاد زحام المرور. هل هناك ساعة في ليل القاهرة أو نهارها من دون زحام السير الرهيب؟ لو وجدت هذه الساعة لجعلت مواعيدي كلها حولها ولو كانت الرابعة صباحاً. لنفترض أن ثلث المصريين يعمل، أو 29 مليوناً من أصل 87 مليون مواطن، وأجعل العاملين 30 مليوناً لتسهيل الشرح، فأقول أنه إذا كان المواطن المصري العامل يضيع ساعتين في اليوم في الزحام، فان هذا يعني 60 مليون ساعة عمل في اليوم. غير أنني أكتفي بالرقم 30 مليون ساعة عمل ضائعة، لأن نصف العاملين من فلاحين وغيرهم قد لا يستعمل السيارات، ثم أضرب هذا الرقم بخمسة أيام عمل في الأسبوع، ثم بخمسين أسبوعاً (أترك أسبوعين للإجازات الإضافية) وأطلع برقم هو 7.5 ترليون ساعة في السنة. لن أزيد الخسائر بسبب التلوث والبنزين الإضافي وحرق الأعصاب، ولن أقول أن الاقتصاد المصري سينهض من عثاره إذا حللنا مشكلة السير فقط، وإنما أسجل ضيقي بالمشكلة، لأننا إذا لم نعرف كيف نحل أزمة السير، فكيف نأمل بحلول للأزمات الكبرى التي كانت من أسباب الثورة، والتي زادت بعدها. أبقى متفائلاً بمستقبل مصر لأنه مستقبل الأمة كلها، وأرجو أن نتغلّب معاً على الأزمات في ثلاث سنوات إلى أربع كما وعدني الأصدقاء من الإخوان المسلمين لتبدأ مصر عهد ازدهار جديد. في غضون ذلك، أرجو أن تجد الدولة والحكم الجديد حلاً سريعاً لمشكلة الأمن، فلا دولة تستحق اسمها من دون أمن. القارئ سمع بالاعتداء على الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وسرقة سيارته، وسمع أيضاً بسرقة ثلاثة ملايين جنيه من الإعلامية سهير الأتربي وهي تدفع ثمن عقار في مكتب محاميها، وأذكّره بالاعتداء على الدكتور محمد البرادعي في المقطم وهو يحاول الإدلاء بصوته في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19/3/2011. كيف يمكن أن يضرب رجل وطني فاضل مثل الدكتور البرادعي، وهو وجه حضاري يشرّف مصر كلها؟ سمعت أن انسحابه من الحملة الانتخابية «تكتيكي» وقد يعود، وأنا أرجو ذلك، كما أرجو أن أرى اللواء عمر سليمان بين المرشحين المحتملين. قرأت في يومين: الدائري... دولة البلطجة المستقلة، و: مقتل ثلاثة أشخاص في طنطا، و: مصر محطة رئيسية لتهريب المخدرات في العالم، و: مواجهات عنيفة بين الشرطة وعصابات السطو وسرقة السيارات في ثلاث محافظات، و: التمثيل بالجثث ظاهرة دخيلة على المجتمع المصري. ثمة ما يعوض عن القراءة «اللي تجيب العصبي»، فعدد الجمعة من «الأهرام» كان فخماً ضخماً، وقرأت مقالات تحليلية راقية، وعدد السبت من «أخبار اليوم» بملاحقه تراوح بين الجد واللعب، وضم شيئاً لكل قارئ، وهناك صحافة مستقلة راقية. ثم هناك صحافة تنافس «تابلويد» لندن، إلا أنني لا أسجل أي أسماء حتى لا أقرأ غداً أنني على علاقة محرّمة مع تسيبي ليفني... جبان، جبان، بس يعيش. ثم هناك «المخلوع» إشارة إلى الرئيس السابق حسني مبارك، وهي نابية قبيحة ويكفي أن نقول الرئيس السابق الذي رددت الصحف كلها من مرافعته النهائية بيت شعر قديم هو: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة / وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام. وكان يستطيع أن يقول أيضاً: وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة / على المرء من وقع الحسام المهنّد. الشعر لم يلهني عن كلمات أخرى لحسني مبارك هي: الإرهاب انحسر في عهدي، والناس يعيشون في رعب منذ عام بسبب الانفلات الأمني. أرجو للمصريين أمناً وأماناً، وسمناً وعسلاً، وقبل هذا وذاك انفراج زحام المرور، فقد قضيت ثلاثة أيام في القاهرة نصفها في السيارة، وأنا أغني لنفسي: زحمة يا دنيا زحمة وتاهوا الحبايب، زحمة ولا عادشي رحمة مولد وصاحبه غايب. الحبايب باقون.