فواز حمد الفواز - الاقتصادية السعودية يجتمع أحد مصادر تشويه العدالة الاجتماعية وقصور الإدارة الاقتصادية في المملكة في ارتفاع أسعار الأراضي وعجز القرار الاقتصادي في التعامل مع هذه المسألة، مع مركزية إشكالية الإسكان إلا أنها فقط أحد مظاهر تغلغل إشكالية إدارة الأراضي اقتصادياً في المملكة ودورها السلبي. على هذه الخلفية ذكر وزير البلديات والشؤون القروية، أن هناك فتوى بعدم شرعية سن رسوم على الأراضي. أتى هذا التصريح بعد أن تم إجماع اقتصادي واجتماعي على ضرورة وجود رسم على الأراضي كإحدى آليات إدارة الاقتصاد ورفع مستوى العدالة المجتمعية. كما أن قراءتي لفتوى الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله حول الزكاة على الأراضي لم ترشد إلى وضوح في تعاطي الزكاة مع هذا الموضوع. كما أن هناك فتوى أخرى تجيز سن الرسوم. هناك تداخلات كثيرة في هذا الموضوع الشائك بين العدالة والاقتصاد وبين المصالح وإساءة الفهم وبين الديني والدنيوي. فرز هذه التداخلات سهل إذا كان الصالح العام وإحداث اختراق تنموي للتعجيل بعملية الإصلاح الاقتصادي هما الهدف الأسمى. هناك عناصر ومعايير عدة يصعب الحديث عن هذا الموضوع دون استعراضها. تنبهت الحكومة إلى إشكالية الإسكان فأعادت تأهيل وزارة الإسكان وأقرّت 250 مليار ريال لهذا الغرض، كما أنها زادت تمويل الصندوق العقاري لهذا الغرض. هناك توجّه إلى مشروع إسكان عام سبق أن علمتنا التجارب مدى الصعوبات في إدارته وتوزيعه والمحافظة عليه وعدم قدرة الحكومة على المواصلة في المستقبل. كذلك هناك حقيقة أخرى في أن أسعار الأراضي أصبحت عبئاً على المواطن العادي على المطلق قياسا على دخله ونسبياً، حيث إن سعر الأرض أكبر من حجم تكلفة البناء في كل المدن الرئيسة والوسطى. هناك أيضا عيوب هيكلية ونظامية تجعل سوق التمويل العقاري محدود الحجم والنشاط. أيضا هناك إشكالية مع الرغبة في الاستدامة فكلما واصلنا الحلول التعويضية وشراء الوقت أجلنا الحلول المستدامة. ارتفاع الأراضي منطقي بسبب ارتفاع صرف الحكومة المالي (وتوجه الكثير من الأموال إلى الأصول الثابتة)، وكذلك الاحتكار المقيت مما يكلف الحكومة كثيراً، نظراً لتباعد المناطق المأهولة وبالتالي تكلفة البنية التحتية والخدمات. هناك ضرر واضح على الناس وعلى الاقتصاد ولذلك من المتوقع التوجه لإيجاد حلول، ولكن الحل لم يأت لعدة أسباب منها: غياب التخطيط المترابط لإحداث نقلة نوعية، والمصالح الشخصية التي لن تتردد في إيجاد أي مخرج أيا كان مصدره حتى لو أضرّ بالعامة، وأخيراً قلة الوعي التي لا تفرق بين العام والخاص وبين الآني والمستقبل. الأمل أن نرتقي جميعا إلى خدمة المجتمع ونستعرض الخيارات الممكنة سريعاً لإرجاع الأراضي لغرضها الأساسي: بناء المعمورة ومساعدة الناس وتفهم حاجاتهم بدلا من الرهان على المصالح الشخصية والأنانية. لعل السؤال الرئيس هو: عندما تكون هناك اختلافات في الفتوى هل تكون الضحية هي مصالح الناس والعدالة المجتمعية مما يضعف سلطة الفتوى معنوياً؟ وهل هي قابلة للمراجعة خاصة في ظل فتوى أخرى؟ وهل يمكن العمل على حلول مدنية لمسائل مادية بحتة خاصة في ظل فتوى مختلفة؟