د. تركي عبدالعزيز الثنيان - الاقتصادية السعودية لا أحد يجادل في جمال فكرة أن تفرض رسوم على الأراضي الكبيرة المحجوزة داخل النطاق العمراني التي أججت أسعار الأراضي أخيرا، لأنها تؤثر في معادلة العرض والطلب، مما يزيد الطلب فترتفع الأسعار لشح المعروض. ويعتقد المنادون بفرض رسوم على الأراضي أن تحميل ملاكها تكاليف إضافية سيسهم في دفعهم لبيعها والتخلص منها بدلا من حبسها وتحمل تكاليف إضافية. وهو كلام قد يكون صحيحا في مجمله، وليس صحيحاً في كل الأحوال. إذ إن فرض رسوم على الأراضي لن ينتج عنه تلقائياً نزول في الأسعار لأن العبء قد يمكن نقله من ملاك الأراضي إلى الغير. فالسؤال الأهم هو الكيفية، وهي ما يجعل الأمر برمته صعب التنفيذ، وغامض النتائج. فمن ناحية أولى، ليس بالضرورة أن من يدفع الرسوم هو من سيتحمل عبئها. فمثلاً، لو افترضنا أن الدولة قررت فرض رسوم جمركية على نوع معين من السيارات قدرها 100 في المائة على كل سيارة. فستكون السيارة التي قيمتها 100 ألف ريال قبل الرسوم، 200 ألف ريال بعد الرسوم. ولو قام بدفع الرسوم وكيل السيارات في المنافذ الجمركية وحطت السيارات الجديدة في المعارض. بربكم هل تعتقدون أن ثمن السيارة سيبقى كما كان 100 ألف ريال؟ استحالة. فعلى الغالب ستكون قيمتها 200 ألف ريال - وقد تكون أقل أو أكثر - ولكن المهم هنا هو إدراك أنه من المستحيل أن يبقى الثمن كما كان في السابق بل سيرتفع. يأتي المستهلك ويدفع قيمة السيارة ولتكن 200 ألف ريال. في مثالنا هذا، وكيل السيارات ''دفع'' الرسم للدولة. ولكن المستهلك النهائي هو من ''تحمل العبء'' في نهاية المطاف. وعلى هذا، ففرض رسوم على الأراضي ليس بالضرورة أن يؤدي إلى أن يقوم مالك الأرض ببيعها للتخلص من تكاليف الرسوم، فقد يمسكها ويتحمل تكاليف الرسوم كما لو كانت جزءا من قيمة الأرض ويمرر التكلفة في نهاية المطاف للمستهلك النهائي، وهو الطرف الذي نريد أن نخدمه بهذا الرسم، فنكون كمن أدى إلى تدهور معادلة العرض والطلب بشكل أشد - أو كالمستجير من الرمضاء بالنار - ولا سيما أن غالب ملاك الأراضي الكبار مقتدرون - أو مساهمة - وقد لا يأبهون لتحميل الأرض تكاليف أخرى؛ فضلاً عن وجود صور متعددة للتحايل تشمل تأجير أو استغلال أو بيع صوري. من ناحية ثانية، الكيفية لتنفيذ رسوم الأراضي. فالمنادون بفرض رسوم يقولون أن هناك أراضي كثيرة معطلة ومحجوزة. وتركها هكذا دون منفعة غير مقبول. أما الأراضي المعمورة فلا ينادي أحد بفرض رسم عليها. لنناقش إذاً معنى عبارة ''معمورة''. فهل الأرض المقام عليها سور أسمنتي فقط كفيل بجعلها معمورة؟ هل يشترط عمارتها كاملة، كل متر فيها معمور، أم يكفي أن تقام عليها خيام في زواياها، أو غرف عشوائية منثورة في أنحائها، أم منزل في منتصفها ونخيل يحوطه من جميع الجهات؟ أية اشتراطات من هذا النوع تعني أن الأراضي المستهدفة ستصبح في ليلة وضحاها وفقاً للاشتراطات. ثم كم هي المساحة الخاضعة للرسوم؟ مليون متر؟ أم 100 متر؟ أية حدود كمية تعني ببساطة أن تتحول الأراضي الكبيرة إلى أراض صغيرة عبر تقسيم وهمي أو شركات جديدة أو أشخاص مستأجرين، في غمضة عين. نقطة أخرى، تقييم الأراضي التي بموجبها ستفرض الرسوم يعني تكلفة إضافية على الدولة تقتضي توظيف موظفين لمتابعة أسعار الأراضي أو الاستعانة ببيوت خبرة لتقييم الأراضي في كل مكان في المملكة، كذلك، هو باب من أبواب الفساد مغلق فإن خلخلناه فالله أعلم بما وراءه. إن فرض رسوم على الأراضي سلاح ذو عشرة رؤوس قد يرتد بعضها على حامله، لهذا توخي الحذر مهم جدا قبل التسرع في ركوب موجة فكرة جذابة. كما أن هناك حلولا بديلة قد تكون أقل خطورة لتوفير أراض سكنية، فالأراضي المملوكة للحكومة شاسعة، والأراضي المملوكة بصكوك طيارة مهترئة معروفة وتحتاج لجرأة انتزاعها وإعادتها للخزانة العامة، وإعمار القرى المتاخمة للمدن الرئيسة، ومنح القروض الصناعية والخدمية والتجارية والصحية بكثافة فيها كفيل كذلك بدفع الطلب نحو تلك القرى، وغيرها من الحلول الأقصر طريقاً والأكثر أمناً. ختاماً، الفكرة الجميلة لا تعني بالضرورة جمال التنفيذ. وقد يكون هناك حلول أبسط وأكثر جدوى، وإن لم تكن بجاذبية الفكرة الجميلة. ليس كل امرأة جميلة يمكن التزوج بها.