ما يبعث على الدهشة فيما جرى عدة أمور فى مقدمتها ما يلى: ● إن موضوع الإسراع برحيل المجلس العسكرى الذى كان المطلب الأول للمسيرة التى توجهت إلى مجلس الشعب كان مثارا داخل المجلس ذاته، وقد قرأنا فى صحف أمس أن اثنين من الأعضاء هما النائبان عمرو حمزاوى وزياد العليمى أعدا مشروعين بهذا الخصوص، الأمر الذى يعنى أن التظاهر لأجل الموضوع لم يكن له ما يبرره. ● إن فكرة تسليم السلطة إلى مجلس الشعب، الذى يحظى الإسلاميون بالأغلبية فيه تستدعى مخاوف أخرى إضافية مما يروج له البعض. ذلك أن المصدر الأساسى لكل الجدل واللغط المثار حول تشكيل لجنة الدستور هو الخشية من تأثير ونفوذ الأغلبية الإسلامية على عملية إعداده. وفى الوقت الذى تتداول فيه تلك المخاوف بقوة فى أوساط الطبقة السياسية وفى وسائل الإعلام. نجد أن المسيرة تطالب بنقل ملف الرئيس المؤقت إلى المجلس لتجديد المخاوف من تأثير الأغلبية على فرص الرئيس المؤقت فى الفوز. ● إننى لم أجد سببا مقنعا لاحتشاد أنصار الإخوان أمام مجلس الشعب ومحاولتهم عرقلة وصول المسيرة إليه، الأمر الذى أدى إلى اشتباك الطرفين دون أى مبرر. وحتى إذا صح ما قيل من أن بعض المتظاهرين دعوا إلى اقتحام المجلس، فإن تأمينه فى هذه الحالة يقع على عاتق الشرطة والجيش وليست مهمة الإخوان. واسوأ ما فى هذه العملية أنها أحدثت شرخا فى علاقة الإخوان بمن كانوا معهم فى مربع واحد منذ بداية الثورة. ● من الواضح أن عناصر الأمن المركزى وقفت متفرجة على الاشتباك، وان الشرطة العسكرية كانت بعيدة عن ساحته، الأمر الذى يثير أكثر من علامة استفهام حول تفسير انسحاب الجهتين من عملية تأمين مجلس الشعب، علما بأنهما قامتا بدور مشهود فى تأمين اللجان التى أتت بالمجلس. هذا فيما خص الدهشة. أما أسباب الحيرة والشك فمتعددة. أحدها مثلا ان المطالب المرفوعة سواء فى المسيرة التى انطلقت يوم الثلاثاء أو من جانب المعتصمين أمام مبنى التليفزيون فى ماسبيرو يفترض أن يكون مكان عرضها ومناقشتها والضغط لأجلها فى مجلس الشعب وليس فى الشارع. وقد ذكرت توا نموذجا لذلك، والنماذج الأخرى كثيرة. من تلك الأسباب أيضا أن الموضوعات التى يتم لأجلها التظاهر أقرب إلى اهتمامات وحسابات النخبة السياسية منها إلى اهتمامات المواطن العادى، المشغول بأمنه وبمشاكله المعيشية، واستغراق النخب فى هذا المسار والضغط على مجلس الشعب للانخراط فيه من شأنه أن يهمش مشاكل الناس، ويحدث فجوة بين النخبة ومعها المجلس وبين الشعب. لقد انتخب الناس مجلس الشعب لكى يتبنى مطالبهم ويعبر عنهم إلى جانب وظائفه الأخرى بطبيعة الحال فى حين اننا فهمنا من وسائل الإعلام أن ثمة استياء وامتعاضا من جانب البعض إزاء النتائج التى أتت بأغلبية الإسلاميين. وأرجو ألا تكون صحيحة التسريبات التى تحدثت عن اتفاق وجهات النظر بين الذين فشلوا فى الانتخابات والعناصر المتحمسة أو المهيجة بين الشباب على التصعيد الذى يوصل الأمور إلى حانة الخطر بدعوى استكمال الثورة أو تجديدها، خصوصا أن عباءة الثوار أصبحت فضفاضة للغاية. الأمر الذى بات يحتاج إلى فرز وإعادة تقييم. علما بأن مصطلح «الثوار» رغم جاذبيته بات يكتنفه غموض أخشى أن يسىء استغلاله من لا يتمنى الخير للثورة أو البلد بأسره.