في روايتي (التقدم إلى الخلف) التي صدرت قبل حوالى خمس سنوات عبارة قلت فيها: “هل ما يحدث هنا هو انعكاس لما يجري بشكل أوسع في المجتمع، تطرف نحو أقصى اليمين يقابله تطرف نحو أقصى اليسار.. تشدد ديني يقابله تحرر وانحلال أخلاقي؟ تطرفان كلما زاد أحدهما زاد الآخر في المقابل رداً عليه. كلاهما خطير وكلاهما ينبغي مواجهته والوقوف في وجهه بنفس القوة”. هذه العبارة أثارت حينها عتب العديد من الزملاء عليّ نتيجة لمقارنتي التي رأوها غير عادلة بين خطورة التطرف الديني والانحلال الأخلاقي، فالثاني وفق رأيهم مرتبط بالحريات الشخصية التي لا تمتد آثارها لأبعد من أصحابها. أتفق تماماً على خطورة التطرف الديني وضرورة محاربته بكل قوة، لكني أشعر في المقابل بقلق بالغ من الانحلال الأخلاقي الذي انتشر كالسرطان في جسد مجتمعنا بشكل يؤكد أن ذلك الانحلال لا يتوقف عند أصحابه فحسب، بل يمتد لكامل المجتمع. بيانات وأرقام مخيفة -معلنة وغير معلنة- أقرأها يومياً عن انتشار آفات خطيرة مثل المخدرات والرشوة والدعارة والشذوذ واللقطاء والخطف والاغتصاب وهروب الفتيات وزنى المحارم. مجتمعنا يتآكل من الداخل، وبدلاً من أن تقوم الشريحتان المعنيتان أكثر من غيرهما بعلاجه -وهما الإسلاميون والمثقفون- نجد أن أكبر هم كل منهما أصبح النيل من الطرف الآخر وتشويه صورته باتهامات وشتائم لا تليق امتلأت بها وسائل إعلامنا خلال الأسابيع الماضية وقبلها. والنتيجة أن كثيراً من المواطنين العاديين فقدوا ثقتهم في الطرفين على حد سواء، فضاعت القدوة المجتمعية نتيجة لذلك. وقفة: استخدمت تسمية “مثقف” و”إسلامي” رغم تحفظاتي على التسميتين، التي لا يتسع المجال هنا لذكرها.