يتذكر معالي الشيخ عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف الرياض في السبعينات الميلادية. طرح بعضا من ملامح هذه الذكريات في مقاله له نشرت في جريدة الجزيرة قبل سنوات قليلة عندما بين فيه وجهة نظره في الاختلاط. لا يستطيع أحد في هذه الدنيا أن يقول أن سوق المقيبرة أو شارع السدرة أو شارع الوزير كان يديرها علمانيون أو ليبراليون. لا أحد يستطيع القول أن الهيئة في ذلك الزمن غافلة أو أن الرجال القائمين عليها كانوا متساهلين أو غير مؤهلين بالعلوم الشرعية. عرف عن الشيخ عمر آل الشيخ رئيس الهيئة في ذلك الزمن التشدد في تطبيق الأنظمة والقوانين حتى كان رحمه الله يباشر بعض الأعمال بنفسه، ولكن لا أحد عرف أو سمع أو شاهد أن الشيخ عمر أو رجاله جروا امرأة في السوق ولم يدع أي من رجاله في ذلك الزمن أن شاهد امرأة سوداء تطير وتهبط على سقف بيتها كالعنكبوت أو أن غواصين جهازه المحترفين أخرجوا حرزا من قاع البحر أو أن أحدا اكتشف أن يهودية جنية قادمة من اليمن سكنت رجلا ساكنا في مقبرة. كان الانجاز في ذلك الحين في إطار العقل ومؤطرا بحرمة حقوق الناس. كان المبدأ حماية المرأة والدفاع عنها وليس حماية الناس من المرأة. لم تكن المرأة أداة غواية. نسمع هذه الأيام من يقول أن المرأة هي الأم وهي الأخت وهي الزوجة إلى آخر الكلام الذي نمارس عكسه. كان أهل ذلك الزمن والهيئة تحديدا يرون أن الفضيلة جزء من حياة الناس وليست من اختراعهم أو أنها وجدت مع وجودهم وستغيب بغيابهم. قرأت أن الشيخ عبداللطيف قال في أول تصريح له (الأمر بالمعروف بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر). يلخص هذا الشعار العلاقة بين هذا الجهاز وبين الناس ويحدد مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورته الصحيحة. من الواضح أن الشيخ يعرف أن مهمته صعبة وشاقة وتحتاج إلى عمل كبير ومعقد. قلب الاستراتيجية المترسخة رأسا على عقب من مهام الرجال الذين يصنعون التاريخ. الملك عبدالله بن عبدالعزيز يؤسس لوعي جديد. يريد أن يرسخ قيم دولة العلم والإيمان والقانون التي أسسها والده وبنى عليها أركان هذه الدولة العظيمة. مبدأ الأمر بالمعروف لا يمكن أن يتناقض مع هذا المفهوم. جهاز الهيئة يجب أن يسير في هذا السياق ويكون فرعا من تطبيقاته. ثلاثة أمور لا شك أن الشيخ عبداللطيف يدركها تماما. الأمر الأول أن أي جهاز يكون في حالة تصارع مع الناس هو الذي سوف يخسر في النهاية. الأمر الثاني أن العقل هو قيمة الإنسان الأساسية ولا يمكن سحقه عليه مهما توسع نفوذ المستفيدين من غيابه. الأمر الثالث أن الأخلاق قيمة في أعماق النفس الإنسانية لا جنود لها سوى الإيمان. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يقوم على تعزيز السلام والعقل والأخلاق. لا يمكن التنبؤ بحجم المعركة التي تنتظر الشيخ الكريم، ولكن إذا اهتدى بمبادئ خادم الحرمين وقيمه فالنصر لا شك حليفه.