لم أفهم ما ورد في تقرير جريدة الوطن الذي تم نشره مطلع هذا الأسبوع، تحت عنوان: «100 ألف ريال وخُلع يُنهيان قضية معنفة المفك»، وقبل أن أورد الأمور الملتبسة في سياق التقرير، فسأذكركم بالقضية التي كانت حديث الإعلام المحلي الشهر المنصرم، بعد أن اعتدى رجل على زوجته الحامل بالضرب المبرح بآلة حديدية هي «المفك». وكتبت عنها في هذه الزاوية قبل أسابيع لفظاعتها، ودعوة لنقاشها بحثاً عن حلول وخوفاً من أن تتكرر. أعود من حيث بدأت، فأنا لم أفهم ما جاء حول الحكم بخلع الزوجة وتعويضها بمبلغ 100 ألف ريال لقاء ما لحق بها من ضرر. الذي أعرفه أن -الخُلع- في الشريعة الإسلامية هو أن يتم بمقابل تدفعه الزوجة للزوج إذا كرهت الحياة معه أو وصل الحال بينهما إلى البغضاء، بدليل القصة الشهيرة لزوجة ثابت بن قيس -رضي الله عنهما- حينما ردت إليه حديقته ففارقها، وهذه القصة تؤكد أن الخلع تم لأنها لم تحبه، ولم يعيبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، بل كان متفهما لمشاعرها، فزوجها لم يؤذها، ولم يسيء معاشرتها، ولم يُفرغ شحنات غضبه على جسدها، ولم يفتل عليها عضلاته ويستعين بمفكات وآلات حديدية ليشوهها، ويُعلمها أنه الأقوى! من تلك القصة عرفنا الخُلع وحالاته. لذا أسأل وأضع بعد السؤال علامة استفهام «كبيرة»، كيف يكون خلعاً والمبلغ دفعه الزوج، ولم تدفعه الزوجة؟ الذي أعنيه هل من الممكن أن تخلع المرأة نفسها، وتحصل نظير هذا على تعويض؟ عموماً أمر جيد وقد تكون سابقة أن تحصل حالة خلع والزوج هو من يفتدي نفسه بمبلغ مالي. وسؤال آخر: ما هو مصير الطفل الذي سيولد؟ وماذا عن نفقته وحضانته؟ والجانب الآخر الهام في هذه القضية، أنها جنائية، أي أن فيها حق عام وحق خاص، والزوجة من حقها التنازل عن الحق الخاص، لكن كيف لها أن تتنازل عن الحق العام، هل هذا أيضاً بيدها؟ الحق العام في هذه القضية مهم جداً، وهو بمثابة الرادع لأي رجل تسول له نفسه أن يُمارس العنف ضد زوجته، فالرجل الذي يمد يده على امرأة ليس رجلاً، والذي يستقوي بعضلاته على امرأة لم يخلق لها الله -سبحانه وتعالى- عضلات مثله لتصده بها، فهو ليس رجلاً، ومن يعتقد أن المرأة مخلوقة ليضربها، فهو من أشباه الرجال! فنحن لسنا في غابة، والقضاء يجب أن يردع هذه الشاكلة ليتوقف العنف، لأن من لا يخاف الله وعقاب الآخرة فلا بد أن يخاف عقاب الدنيا، وقبل أن يفكر بعضلاته سيفكر ألف مرة بالعقوبة الرادعة. وما دام الحق العام ذهب ضمن التنازلات، فهيا استعدوا لمزيد من جرائم العنف والضرب والتشويه والعاهات المستديمة، وما خرج من حالات على السطح الإعلامي، ما هي إلا نقطة من بحر المسكوت عنه، والمتنازل عنه ضمن منهج الستر والعيب، والثقافة التي ترى الزوجة أنها «قليلة حياء» حينما تشتكي زوجها لأنه ضربها وبج أحشاءها وشرخ دماغها، وبس! أشير كذلك إلى دور لجنة إصلاح ذات البين في هذه القضية، بصراحة أشكرهم على تدخلهم الإيجابي وأتمنى أن تُعمم اللجنة في كل مناطق المملكة، وأن يتم تفعيل دور هذه اللجنة، لكن بصراحة هناك جملة (ما) لم أفهمها، إذ ذكر المستشار القانوني عبدالله الباحوث أن ضرب الزوجة بلا مسوغ شرعي أذية لها، وبودي أن أعرف من سعادة المستشار ما هي الحالات التي يكون فيها ضرب الزوجة بمسوغ شرعي ولا يُحدث أذية لها؟