عبد الحميد الأنصاري نقلا عن (الاتحاد) الإماراتية استمرار مسلسل القتل بوجود المراقبين العرب في سوريا، لا يحمل إلا دلالة واحدة، هي فشل مهمة المراقبين في وضع حد لآلة القتل السورية التي تحصد يومياً العشرات من المتظاهرين في مختلف المدن السورية. منذ وصول المراقبين العرب إلى سوريا وعدد القتلى في ازدياد، ولم يحُل وجود المراقبين دون فتح قوات الأمن والجيش النيران على المتظاهرين العزل، بل إن أعمال القمع والقنص تتواصل تحت أنظار وأعين المراقبين. صرحت الهيئة العامة للثورة السورية أن قوات الأمن والجيش قتلت منذ قدوم لجنة المراقبين الأحد 12/25 وحتى الجمعة 12/30، ما يزيد على 99 قتيلاً، غير المئات من الجرحى، أي أن أعداد القتلى استمرت بمعدل 44 قتيلاً في اليوم، فكم سيصل عددهم في نهاية الشهر -المدة الزمنية المحددة للبعثة؟ لقد كانت الجامعة العربية تراهن على أن عمليات القتل والذبح ستتوقف أو على الأقل، تنخفض بوصول المراقبين وانتشارهم في المدن السورية، وتبين أن هذا الرهان كان وهماً، وأن النظام السوري لا يأخذ موضوع المراقبين بأية جدية ولا يهتم بالمبادرة العربية، ولا بالبروتوكول الذي وقعه، إلا شكلياً. بل إن النظام يتصرف بكل لا مبالاة ولا يرى نفسه مضطراً حتى لتقليص أعداد ضحاياه اليومية احتراماً لتوقيعه وللجامعة العربية. والتساؤل المطروح اليوم في الساحة: ما فائدة المراقبين العرب إذن؟ لقد كان الهدف الرئيسي من توقيع البروتوكول ومن المبادرة هو "حماية المدنيين ووقف القتل"، وهذا لم يتحقق بل تصاعد القتل، كما لم ينفذ النظام السوري من البنود العشرة للبروتوكول العربي إلا بنداً واحداً وهو دخول المراقبين وبشروطه: أي موافقته على جنسية المراقب وشخصه، وأن يدخلوا تحت رقابة صارمة من الأجهزة الأمنية وتحت قيود شديدة على تحركاتهم وعملهم وانتشارهم! أما بقية البنود العشرة فلم يُنفذ منها شيء، إذ لا زالت قوات الجيش منتشرة ترعب المتظاهرين، ولا تزال الدبابات تشاهد في الشوارع ويتم سحبها وإخفاؤها قبل وصول المراقبين، لتعود مرة أخرى وتحصد أرواح المتظاهرين، ولا زال 100 ألف معتقل معذب في السجون، وتتظاهر السلطات بإطلاق سراح بعضهم أمام الإعلام السوري لتعيد اعتقال أضعافهم، وتنقل بعضهم إلى حاويات في سفن في عرض البحر في طرطوس. وهناك اليوم مخاوف من أن تعمد السلطات إلى تصفيتهم حتى تقول للعالم: لا يوجد معتقلون! لا زالت وسائل الإعلام العربية والأجنبية ممنوعة من الدخول، والمشاهد الوحيدة المصورة هي تلك المنشورة في المواقع الإلكترونية التي يلتقطها ناشطون ومواطنون خلسةً عبر كاميرات هواتفهم المحمولة. وقد عمدت الجامعة العربية إلى تخصيص بريد إلكتروني لتلقي شكاوى الإعلاميين إذا لم تسمح لهم السلطات السورية بالدخول والعمل بحرية، لكن لا قيمة له، فالنظام لن يسمح أبداً بإعلام ينقل الحقائق لأن في ذلك نهايته! تُرى ما قيمة بروتوكول لم ينفذ النظام من بنوده العشرة إلا بنداً واحداً مثيراً للشكوك وفقدان المصداقية؟ فماذا يأمل العرب من مبادرتهم، وماذا تأمل الجامعة من بروتوكولها في ظل نظام قمعي شديد المراوغة وكثير الحيل؟! ما قيمة وجود المراقبين وماذا يراقبون، هل يستطيعون -حقيقة- نقل صورة حقيقية حول الأوضاع في سوريا؟ الواضح اليوم أن المهمة عسيرة والعوائق كبيرة ومحكومة بالفشل لعدة أسباب، من أبرزها: 1- عدم التوفيق في اختيار رئيس البعثة: إذ مع احترامنا لشخصية اللواء الدابي وتقديرنا لخبرته العسكرية، إلا أن المراقبين يجمعون على أنه ليس الشخص المناسب لهذه المهمة، فالسمعة أهم من الخبرة في هذا الميدان، سمعة اللواء عربياً ودولياً ليست فوق الشبهات، وقد وصفته مجلة "فورين بوليس" بأنه أسوأ مراقب لحقوق الإنسان، وزاد وضعه سوءاً فور وصوله سوريا واجتماعه بالمعلم وتصريحاته بأن "الموقف هادئ والأمور مبشرة وأنا متفائل"، وتصريحه الآخر الأكثر طرافة، فور عودته من حمص -معقل المعارضة، حيث قال: "لم نر دبابات وإنما مدرعات! الحالة مطمئنة! لم نر شيئاً مخيفاً"! العالم على امتداد 10 أشهر يرى بالصوت والصورة أشياء مرعبة ورئيس البعثة المفترض فيه التعاطف مع شعب يتعرض للقمع، لم ير ما يخيف! هل حرص أن يرى ما يخيف؟ هل بذل جهداً في التحقق من الوضع؟ ألا يعلم أن النظام أخفى دباباته بوجوده وتستطيع العودة في 5 دقائق؟ وهو مطلوب منه أن يرى الدبابات، ألا يرى ويسمع صرخات الشعب حوله؟ لقد استغلوا تصريحه وسارعت روسيا للقول: الوضع مطمئن! هل نشهد مسرحية "شاهد ما شافش حاجة"؟ لماذا تختار الجامعة شخصاً تحيطه الشبهات، لأخطر مهمة في تاريخها؟! 2- فريق المراقبين العرب -بخلاف المراقبين الدوليين- لا خبرة ميدانية له في هذه المهمة، فالبعثة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجامعة، فهم كما قال سمير عواد "بعثة من الهواة" لن تتمكن من التصرف باستقلالية، ولن يتاح لها أن تضع تقريراً صادقاً يعكس حقيقة الأوضاع في ظل رئيسهم الملقب في السودان ب"الثعبان". 3- النظام السوري لم يمكّن المراقبين العرب أن يتصرفوا بحرية وموضوعية، وعنده من الوسائل والألاعيب ما يكفي لتعويق مهمتهم وإفشالها، وحتى في حالة نقل أحد المراقبين ما يحصل بأمانة فإن الإعلام السوري يشن حملة عليه للتشكيك في مصداقيته، ويتلقى تهديدات بالقتل كما حصل للمقدم خالد الربيعان -السعودي الجنسية- الذي أصر على الذهاب إلى دوما من دون رفقة الأمن والشبيحة، وكما حصل للمراقب المغربي الذي شهد القناصة في درعا. 4- افتقار البعثة إلى وسائل الدعم اللوجستية المساعدة لتحركاتهم واتصالاتهم وتسجيلهم للأحداث وتصويرهم لما يحصل، وبخاصة أن النظام يشوش ويقطع الاتصالات. الوضع السوري يشبه الوضع الكوري الشمالي، حيث تتم محاكمة المواطن الذي يمتلك "آي فون"، ويحظر دخول الصحفيين المتمرسين لمصاحبة المراقبين لنقل حقيقة الأحداث. 5- عدم دراية المراقبين بجغرافية المدن السورية وأسماء المناطق، مما سهل على النظام خداعهم ووضع يافطات مغايرة لأسماء المناطق التي يريدون زيارتها وبخاصة أنه يجب على البعثة إعلام الأمن السوري قبل الزيارة بنصف ساعة، المنطقة المستهدفة بالزيارة، مما يمكن النظام من إجراء التغيير وإخفاء معالم المظاهر المسلحة. 6- قلة عدد المراقبين في بلد كبير مثل سوريا، ومن ثم عدم تمكنهم من الانتشار السريع في كل مكان. ختاماً: على الجامعة أن تعترف بفشل مهمتها، والأكرم لها أن تسحب المراقبين فوراً، كما طالب البرلمان العربي ورئيسه الدقباسي، وإلا فهي شريكة في إسالة دماء الأبرياء.