مأمون فندي نقلا عن (الشرق الأوسط) اللندنية هل هناك من تفسير علمي لظاهرة «اللهو الخفي» أو الطرف الثالث الذي يلوح به البعض لتخويف المصريين كما كانوا يخيفون الأطفال ب«أمنا الغولة»؟ أعتقد أن هناك تفسيرا علميا للهو الخفي، حيث لا يصبح خفيا ولا مخفيا كما يتصور البعض، ولكن لكي نفسر اللهو الخفي لا بد من اتباع خطوات بعينها والإجابة عن أسئلة غير مباشرة - كما في التحقيقات الجنائية - تقودنا إلى هوية اللهو الخفي أو الجاني على الثورة في الحالة المصرية. أبدأ بالأسئلة الأولية التي أتمنى أن تشاركوني محاولة الإجابة عنها، ليس فقط لمعرفة مكان اللهو الخفي، بل لتحديد ملامحه وهويته، بحيث نعرف بشكل أقرب إلى اليقين من هو اللهو الخفي؟ السؤال المنطقي الأول: ترى أين تختفي الأنظمة بعد الثورات أو الانقلابات؟ هل يختفي النظام ويتبخر في الهواء ويتطاير كرذاذ لا يعود مطرا أسود فيما بعد؟ وهل النظام على عكس المادة التي لا تفنى ولا تخلق من عدم، فيفنى النظام القديم تماما ويخلق النظام الجديد من العدم؟ أم أن قوانين المادة تنطبق على الأنظمة أيضا، وبهذا يمكننا القول بأن النظام لا يفنى ولا يخلق من عدم؟ لنفكر ولو قليلا في هذا الأمر ولا نستعجل السؤال الثاني، فقبل أن نبدأ السؤال الثاني لا بد لكل منا أن يقلّب موضوع المادة والنظام في رأسه، ليتيقن مما إذا كان النظام يفنى ويخلق من عدم أم أن هذه المقولة غير صحيحة؟ السؤال الثاني: إن كان النظام يفنى، فماذا عن مكونات النظام؟ فمثلا هل بالفعل اختفى جهاز جرار من أمن الدولة مثلا كان يعمل به أكثر من ربع مليون ضابط وموظف؟ مهمتهم الأساسية متابعة خلق الله، والحصول على معلومات تساعد على إخماد روح التمرد بداخلهم، فبالصور التي كان يملكها جهاز أمن الدولة وبالتسجيلات الصوتية والمصورة، كان الجهاز قادرا على ابتزاز وأحيانا تجنيد النشطاء السياسيين والنشطاء في أي مجال آخر مثل الصحافة أو حتى الأنشطة الأخرى، وتحويلهم أداة طيعة لينة لديه؟ فهل معقول أن ربع مليون فرد لديهم كل أدوات الابتزاز هذه اختفوا إلى غير رجعة؟ أين ذهبت التسجيلات للفضائح بأنواعها من المالية إلى الجنسية مرورا بما بينهما، أين اختفى كل هذا؟ ومعقول أن هؤلاء الناس الذين يملكون كل هذا رفعوا الراية البيضاء واستسلموا للثورة، ل«شوية عيال» كما كانوا ينادونهم أيام الثورة؟ هذا سؤال يحتاج إلى تفكير «شويتين» كما يقولون؟ في رأيي إن جهاز أمن الدولة فوجئ بمن قاموا بالثورة؛ بمعنى أن الذين نظموها وحركوها لم يكونوا ممن عليهم ملفات في الجهاز، وليسوا «متصورين في أوضاع مخلة، ماليا أو غير ذلك». فالجماعة الذين كان يهتم الجهاز بالتسجيل لهم أو تصويرهم لم يخرجوا في الأيام الأولى للثورة، وحتى عندما خرجوا، كانوا يثورون بالقطعة، يعلو صوتهم للحظة، حتى يأتيهم تليفون التهديد فيغيروا نغمتهم وعلى الهواء مباشرة، قائلين عن النظام وعن مبارك «ادولوا فرصة تانية، وخليه يكمل الست شهور»، هكذا كان يصرح من عليهم ممسك أخلاقي عند الجيش الجرار من رجال الجهاز الإخطبوط. ترى أين اختفى هؤلاء؟ فكر مليا في هذا؟ في الصور، وفي موضوع الضابط الذي كانت مهمته التصوير، تصوير الداخل وتصوير الخارج، معقول استسلم هؤلاء بكل هذه السهولة ورفعوا الراية البيضاء، خصوصا أنهم لم يمسكوا في حفرة ولم يهن أي منهم كما أهان الليبيون القذافي وعبثوا بجسمه حيا أولا قبل الموت، هؤلاء لم يعبث أحد بأجسامهم، وهم من كانوا يعبثون بأجساد الناس؟ معقول أن هؤلاء رفعوا الراية البيضاء واختفوا تماما؟ وماذا يقول عنهم عملاؤهم لو أنهم فعلوا ذلك؟ لو حدث ذلك بالفعل لكنا رأينا ثورة العملاء، من ينتفضون لشرفهم بعد أن هزم سجانهم أو من كان يستخدمهم ويبتزهم بالأشرطة وبالتسجيلات، لو أن هذا الجهاز قد اختفى بالفعل، لملأ العملاء ميدان التحرير والميادين الأخرى ابتهاجا واحتفالا، ولكن حتى الآن ترى العملاء مكسوري الخاطر، موجودين في كل وسائل الإعلام يمارسون نفس المهام، لأن المصوراتي على ما يبدو ما زال يتابع بالتليفون، حتى من غيروا أرقامهم بعد الثورة، لم يفلتوا من الرقيب. ظني أن هذا سؤال قد لا يقودنا إلى اللهو الخفي مباشرة، ولكن يمكننا أن نسلك الطريق في اتجاه معرفة مكان اللهو الخفي.. «ولا أنت إيه رأيك؟». لنترك هذا السؤال إلى سؤال آخر قد يأخذنا إلى الطريق الصحيح لمعرفة مكان وهوية اللهو الخفي؟ فأي تلميذ درس مبادئ علوم السياسة يدرك ما يسمى في بلاد الفرنجة بال«فستيد إنتريستس» أو أصحاب المصالح في أي نظام، أي أن في كل نظام ديكتاتوري أو حتى ديمقراطي هناك مجموعات أصحاب المصالح ممن تكمن مصلحتهم في بقاء النظام القديم. وهم أيضا من كانوا أدوات ودعم النظام القديم وتمكينه من الاستمرار لمدة ثلاثين عاما، فهل اختفى كل هؤلاء في غمضة عين؟ نظام مبارك كان به على الأقل أكثر من مائة ألف من رجال الأعمال أو من يدعون أنهم رجال أعمال من الذين كانوا يسمسرون في الأراضي إلى من يملكون الأعمال الكبرى في مصر وهم تقريبا مائة أو مائتين.. فأين ذهب كل هؤلاء، وأين ذهبت أموالهم ومصالحهم؟ السؤال الأخير يخص تلك البيروقراطية الجرارة، ممن يتمركزون في كل مفاصل الدولة، هل استسلم هؤلاء بكل هذه السرعة ورفعوا الراية البيضاء للثورة وبهذه البساطة؟ هؤلاء الناس لن يختفوا وموجودون بيننا، يمارسون هواياتهم في تعظيم مصالحهم، يقفون مع من يقف معها ويتصدون لم يقف ضد هذه المصالح. هذه هي مجموعة أسئلة أولية قبل أن تنتهي مساحة المقال، قد تقودنا إلى نظرية متماسكة لتفسير علمي للهو الخفي، الذي يسمى بالإنجليزية يا مرسي على غرار مدرسة المشاغبين، بال«فستيد إنتريستس». ويمكنك تتبع مكان اللهو الخفي في المقال القادم أو أطفئ الجهاز و«شغله تاني.. وابدأ الأسئلة من الأول».