طموح جامعاتنا لأن تكون بين أفضل الجامعات العالمية مشروع وحق وواجب، وكلنا يفخر عندما يجد إحداها في قمة التصنيف العالمي، بل ويتعدى ذلك الى فخر الأمتين العربية والإسلامية، فنحن جذر العلوم والعرب عموما لهم دورهم الحضاري العميق في العلم الحديث، ولذلك على جميع جامعاتنا أن تعمل كي تكون الأفضل لأنه حق ينبغي استعادته، ولكن كيف السبيل الى ذلك؟ بعض مديري الجامعات قد يسرفون في اختصار الطريق الى قمة التصنيف العالمي، وربما يسرعون، فيما الأفضل لو أنهم يبطئون، فقد قال سقراط لأحد تلامذته ذات مرة: «يا بني: سر ببطء لتصل بسرعة» ويفترض أن استحقاق مقدمات التصنيف يأتي بالعراقة والجهد العلمي المكثف، ويخضع ذلك لعدة معايير معقدة لا أحسب نفسي ضليعا فيها، ولكن المبدأ أن واحدا زائدا واحد يساوي اثنين، فالمعايير على سبيل المثال تعلق بأهمية وقيمة وعدد البحوث والمخرجات والإسهامات العلمية المهمة، وكادر التدريس وما ينتجه من بحوث علمية مرموقة تنشر في أفضل الدوريات العلمية وأوسعها انتشارا والقيمة العلمية للمخرجات وغير ذلك مما يسهل علينا استيعابه. التعليم العالي مطالب بمعالجة حاسمة لأداء الجامعات وانشغالها بتصنيف معنوي لا ينعكس على الواقع في شيء، حتى لو أنتجت مئات البحوث العلمية التي لا تتوافق مع الواقع، لتصبح مجرد بحوث نظرية غايتها الارتفاع بتصنيف الجامعات، وليس خدمة لبرامج التنمية وتطوير التعليم والعلوم في بلادنا.. علينا أن نعترف أن هناك فجوة كبيرة بين الجامعات وتطور الواقع العلمي لدينا ينبغي أن ندرسه ونقف عند أسبابه الحقيقية. ثم إن الجهات التي تصدر التصنيف، في غالبها أشبه بالمتطوعة تتلقى دعما من هنا وهناك من جهات ذات مصلحة معها، وبالتالي فإن من يدفع سيشتري بطريقة أو أخرى لوضعه في تصنيف، وذلك يحدث في كثير من المؤسسات الدولية التي تتحدث بلغة المال في الوقت الذي تبدو فيه محايدة وموضوعية وصارمة في تطبيقاتها وأنشطتها، وبالتالي فهي غير جديرة بالاحترام، وبصرف النظر عما كشفته مجلة ساينس العلمية في الولاياتالمتحدة من اتهام لجامعاتنا بشراء خدمات علماء مرموقين لتحسين تصنيفها عالميا، فنشر ذلك في حد ذاته معيب ويقدح في القيمة العلمية لأي جهة قد تدخل دائرة الاتهام. حرص جامعاتنا على التصنيف العالمي مطلوب، ولكن ينبغي أن تحرص على تجويد نشاطها العلمي وتحسين الأداء الأكاديمي لطلابها، وبعد ذلك تلقائيا يمكن أن تدخل التصنيف وفقا للمعايير التي يتم وضعها، فهذه المعايير موجودة أمام مسؤولي الجامعات وعليهم متابعتها والوصول إلى أفضلها، وحينها إذا لم يتم تصنيفها بإمكانها أن تقدح في موضوعية الجهات المصنفة عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية ووضعها في الزاوية الضيقة وموضع الشبهة. ما حدث يؤثر سلبا دون شك في السمعة الأكاديمية والعلمية لجامعاتنا، وإذا كان من كتب التقرير غير نزيه، ولنفترض ذلك، فعلى الجامعات المستهدفة إثبات العكس، وترك موضوع التصنيف جانبا والانكفاء على تجويد نشاطها، فهي تحصل على ميزانيات ضخمة لتطوير بنيتها وأداء طلابها، وألا تستعجل الوصول الى مراتب علمية متذبذبة إذ قد تكون إحداها هذا العام رقم مائة وفي العام التالي في المرتبة المائة والخمسين، ولا ينبغي أن يكون التصنيف هاجسا وشغلا يصرف عن العمل الأساسي في التطوير والبحث واستيعاب الطلاب وتأهيلهم، فهذه جامعة الدمام، والشيء بالشيء يذكر، أكبر الجامعات السعودية ولديها ميزانية تصل ملياري ريال ولكن لا نرى حصادا ومنجزا علميا يجعلها تنافس في أي تصنيف. وجامعة الدمام نموذج لأداء أكاديمي لا يتوافق مع الطموح، فهي ورغم تعدد كلياتها ومواردها الضخمة إلا أنها لا تزال تقبل نصف من يتقدمون اليها، وإذا افترضنا أن معايير القبول لديها صارمة وقاسية، فإننا لا نرى على الواقع ما يقابل ذلك من إقصاء لنصف المتقدمين، ولذلك فلا أتوقع أن تنافس حتى وسط الجامعات المحلية التي تقدمت الحديثة منها عليها أكاديميا وبنيويا فيما هي محلك سر، واستشهد في ذلك بتطور جامعة القصيم. التعليم العالي مطالب بمعالجة حاسمة لأداء الجامعات وانشغالها بتصنيف معنوي لا ينعكس على الواقع في شيء، حتى لو أنتجت مئات البحوث العلمية التي لا تتوافق مع الواقع، لتصبح مجرد بحوث نظرية غايتها الارتفاع بتصنيف الجامعات، وليس خدمة لبرامج التنمية وتطوير التعليم والعلوم في بلادنا.. علينا أن نعترف أن هناك فجوة كبيرة بين الجامعات وتطور الواقع العلمي لدينا ينبغي أن ندرسه ونقف عند أسبابه الحقيقية.