عام وأكثر والوسط الثقافي يعيش متناقضات بعضها لم يفسر إلا أنه في النهاية يصب في مصلحة المثقف، وعلى الجدلية التي حدثت وما رافقها من اختلاف واتفاق وتكتلات وفوز وخسارة إلا أن النتيجة النهائية كانت عزوف أغلب المثقفين عن المؤسسات الثقافية. وهنا يأتي السؤال الأكثر إلحاحا في الطرح هل هذا العزوف مرتب له بمعنى أن هناك علما مسبقا أن في تطبيق اللوائح وفق بنودها الانتقائية ستدفع بالمثقف إن شاء أو أبى إلى الابتعاد عن الساحة وتركها للمنافس الذي خدمه مجال التخصص الدراسي فقط دون أن ينظر إلى أهليته وحضوره الثقافي الفاعل. وأيا كانت الإجابة فما حصل لا يخدم الثقافة حتى وهو في إطار انتخابي حر لأن الحرية حجبت في بعض الجزئيات ولو ترك المجال مفتوحا لمن يرى في نفسه الأهلية لذلك فحتما سيكون الوضع أفضل والمنتخب لن يرشح إلا من يراه مناسبا بعيدا عن التحالفات لمجرد إقصاء مجموعة لا نرضى بفكرها حتى وإن كانت هي الأنسب للمكان. كل ذلك رافق انتخابات الأندية الأدبية وعلى الرغم من انتهائها إلا أنها لازالت حاضرة وتبرز كحدث قلب الموازين وولد فكرا مضادا في ظاهره يدعم الثقافة ويشجع دخول المرأة شريكا في الترشح كعضو مجلس إدارة وحتى على منصب الرئاسة ولكن ما خفي يبقى سياسة عمل داخلية ستظهر للسطح قريبا. ومن جرب أن يحتك عن قرب ببعض تلك المجالس سيلمس الفارق أن يترأس ناديا أدبيا مفكر أو أديب وبين آخر لا يربطه بالثقافة إلا الادعاء وتجميع قصاصات لطالب مبتدىء ساعده نفوذه وقربه من بعض الأندية في طباعته وإصدارها ليكون بذلك حقق المعادلة ذات الجزءين تخصص ومطبوع قال إنه أدبي !. وهذه من ضمن السلبيات التي يتخوف البعض من شيوعها في ظل التنظيمات الجديدة وهو الغياب الحقيقي للمطبوعات الأدبية والفكرية المميزة لتحل بدلا عنها محاولات الطارئين على الوسط، وهنا قد تمرر له بحكم أنه عضو مجلس إدارة نادٍ ويحق له ما يحق لغيره، قد يقال إن الإصدار يمر بهكذا فاحص لكن ما نشر عن بعض الأندية يثبت أن الفاحص عند إجازة ذلك الكتاب لم يكن موجودا وقد تطول فترة غيابه. البعض قال ربما تكون تلك خططا مستقبلية الهدف منها إشراك الكل في الثقافة وإذا كانت هذه الدورة اقتصرت على شرط تخصص اللغة العربية فربما مستقبلا يصبح تخصص الجغرافيا أو علم النفس والاجتماع أو أي فرع من العلوم الاجتماعية هو المطلوب للترشح وبهذه الطريقة ننشر الفكر بين جميع الشرائح.. ننتظر نتائج التقييم للمرحلة السابقة ومهما كانت النتيجة مرضيه إلا أن خيبة المرحلة الأولى وما مهدت له من غربة قصرية للمثقف عن منابر الثقافة لازالت حاضرة ولن تنهيها تطبيق تجربة ذيلت بأنها ناجحة لأن علاقة الود هنا تبادلية وإن غاب أحد عناصرها غابت معه جماليات المكان وما يحويه من ألق الفكر والأدب بعيدا عن فكر الإدارة وتنظيماتها التي لا تتفق والثقافة أبدا بل تظهرها دون روح مهما بلغت من دقتها في التنظيم والترتيب.