كيف تخرج مصر من محنتها؟ ذلك هو الشاغل العام لكل مصري وعربي إذ إن استمرار الحالة الراهنة كلف بشرياً ومادياً، ثم إن موقعها على الخارطة العالمية يضعها في عمق الاهتمام وقراءة أحداثها كل ساعة.. فالشعب أسقط حكماً لم يراع مشاعر المواطنين، ولا كيف الخروج من الأزمات الاقتصادية والمعيشية عندما تضخم سلطان الدولة، وبناء شبكة من المنتفعين حتى وصل حد الاستهتار بمبدأ التوريث الذي سنه الزعيم الكوري الشمالي (كيم إيل سونج) لابنه، ليتبعه حافظ الأسد ليمنح السلطة لابنه بشار، غير أن الشعب المصري الذي اعتبر الديموقراطية خياراً أساسياً، لا مساومة عليه، هو من يريد الآن أن لا تتكرر مسألة الإدارة السياسية بلا انتخابات وتأسيس برلمان، وتصحيح المسارات كلها.. طبيعي أن تحدث انقسامات، وحوادث شغب، ومظاهرات تريد استعادة الحق العام للشعب، لكن الثمن جاء كبيراً، إذ إن الخسائر الاقتصادية، وتوقف السياحة والاستثمارات، وعدم حسم الأمور المهمة جعلت ميدان التحرير هو من يختار توجيه المجلس العسكري والدولة، ومع ذلك فالكل يراقب ما تسفر عنه الحوادث حتى يتم الانفراج بما يرضي المواطنين الذين هم مصدر القوة.. المرحلة الراهنة تحولت إلى جدل بين العديد من القوى والأحزاب والمجلس العسكري، والأخير لا يختلف أحد على أنه الضمانة الأمنية، لكن الظرف يجعل الحكم المدني ضرورة أساسية، خاصة وأن مصر حكمت منذ ثورة 1952م وحتى الآن بنظم عسكرية أعطت عدة نجاحات وكثيراً من الإخفاقات، وبالتالي فإن الطريق إلى الديموقراطية لم يعد مطلباً بل ضرورة صوت من أجلها كل الشعب.. فمصر عربياً، هي القوة المباشرة، وأي تأثير، ولو محدود، ينعكس سلباً، على محيطها، ويستحيل على الطرفين الاستغناء عن العمل المشترك، وما يميزها حتى في أزمتها القائمة، أنها لا تواجه حالة انفصال بين مكونات المجتمع، كما يحدث في بعض الدول العربية، وهناك قابلية لنجاح الديموقراطية بسبب متانة الوحدة الوطنية والاستعداد النفسي والاجتماعي لخوض هذه التجربة.. أي خلل في الأمن يجعل من العسير عمل أي شيء بل إن مضاعفات الخسائر الراهنة لا بد الخروج منها بالتفاهم العام، لأن كل يوم يمر وتتوقف عجلة التنمية والموارد الداخلية والخارجية، يعطي مبرراً لحالة الاضطراب، ومصر لديها الإمكانات البشرية عالية التأهيل في لعب كل الأدوار وإدارة البلد بروح العمل الواحد.. الكل يراقب وينتظر، والآمال تتسع أن تعود مصر إلى الواجهة كقوة هامة لأمتنا العربية، وكل من يحيط بها..