مع كل حادثة نعيد اكتشاف قضايا منسية، ثم نشكّل لجنة لجلاء تفاصيل تلك الحادثة... وحدها! بعدها سيصدر تعميم من وزارة التربية والتعليم للمدارس بضرورة الالتزام بوسائل السلامة، وينتهي الأمر، وقضية السلامة في المنشآت العامة قديمة، وهي في مدارس البنات أقدم، وقصص حوادث تماسات كهربائية وضحايا هلع واختناق جراء حرائق ما زالت عالقة، أعادها للواجهة حريق مدرسة «براعم الوطن» في جدة بضحايا ومصابات، وربما سيقال إن المجتمع يشكو من انعدام ثقافة السلامة، ولن يتطرق أحد إلى المسؤول عن انعدام هذه الثقافة، فإذا لم توجد في الإدارة المعنية ثقافة من هذا النوع، يؤسس لها ويحرص على زراعتها وتفقدها، فكيف يمكن مطالبة المجتمع بها؟!ما زالت الإدارة المكتبية هي المسيطرة في القطاع الحكومي، الإدارة بالتعاميم، مصانع الخطابات والتواقيع، وما زال البعض أسيراً لواقع ماض حينما كانت الأعداد بسيطة والأمور أيسر، عندما كان التحوط والحذر مدعاة للاتهام بالوسوسة، والمسألة في ثقافة السلامة الرسمية تبدأ من المباني ولا تنتهي بها، المشكلة الأساس في الإدارة حيث أصيبت بما أصاب الإخوة في مصر، ما أطلقوا عليه "الانامالية"، و«مالي شغل»، هناك اعتقاد راسخ لدى المسؤول بأن هناك مسؤولاً «آخر» عن ذلك الشيء... والمؤكد أنه ليس هو! وقد يكون هذا موجوداً على الورق ليس إلا، والهلع والخوف هو مشكلة بحد ذاتها تحتاج إلى حلول جاهزة وطواقم مدربة، ولو سألت إدارية أو مديرة في مدرسة عن دور كل موظفة في حال حدوث كارثة، حريق.. أو فيضان في مدرسة ربما أشارت إلى الباب! لذلك لن تسأل عن القدرة على الفعل والتدريب، وظروف مدارس البنات أكثر قسوة بحكم المحافظة وقفل النوافذ والأبواب «بل الباب الوحيد» بيد حارس قد يذهب إلى البقالة المجاورة للدردشة مع صاحبها، وحينما هبت رياح أنفلونزا الخنازير، وعم الهلع خوفاً من العدوى وحاجة للتهوية، اكتشف أن نوافذ مدارس لا تنفتح، بل جرت «برشمتها» وما زالت، وهي لمبان حكومية «حديثة»! وتعدد الأبواب لا يعني إمكان استخدامها مع سلسلة مفاتيح طويلة وممرات قد تتحوّل إلى مخازن أو مجمع للكراكيب، أما حكاية «الأمن والسلامة»، فهي في مدارس البنات عبارة عن لوحة عليها رقم هاتف موظف في مكان آخر.وإذا أردت معرفة فوضى زمام الإدارة في الداخل، فانظر للخارج في الشوارع المحيطة بالمدارس وقت الدخول والانصراف، هذا من ذاك ولن يتغيّر شيء، لأن الداء في الإدارة، فهي المسؤولة عن البشر والحجر، الأسوار لا تعني الحماية بالضرورة، ومسألة الأمن والسلامة والإخلاء عمل متكامل ومستمر نحن بعيدون عنه، لأننا ما زلنا نعيش طفرة الإنجاز بالتدشين... والريادة في المحافل الدولية.