جهاد الخازن - الحياة اللندنية الإسلاميون قادمون، الإسلاميون قادمون... هل أخفت القارئ بهتافي هذا؟ لا أعتقد ذلك، غير أن الدول الغربية خائفة من صعود الإسلاميين في أي انتخابات حرة في العالم العربي، وقد رأت النتائج في تونس، وتتوقع مثلها في مصر قرب نهاية هذا الشهر، وأي بلد عربي آخر تنتهي ثورته بانتخابات برلمانية حرة. العبارة التي بدأت بها كانت «تنويعاً» على عبارة أصلها أميركي اشتهرت في سنوات الحرب الباردة هي «الروس قادمون، الروس قادمون» لتخويف الناس من خطر الشيوعية الداهم، وهو الآن أصبح الخطر، أو المد، الإسلامي الذي يهدد مصالح الغرب في بلادنا ويهدد إسرائيل. الواقع أن الإسلاميين لم يبدأوا أي ثورة في أي بلد عربي، من تونس ومصر إلى ليبيا وسورية واليمن وغيرها، غير أنهم قوة يجب أن يحسب لها حساب، فهم لا يحبون أميركا ويرفضون إسرائيل، ولا وسيلة ديموقراطية للتخلص منهم. وكانت أحداث ماسبيرو أعطت لوبي إسرائيل والليكوديين الأميركيين مادة دسمة للتحذير من الخطر المقبل، وهي مادة لا يمكن حصرها هنا فأكتفي بمثل هو خبر عنوانه «مجزرة المسيحيين في مصر»، مع شهادات وفيديو لإثبات أن الجنود ومتظاهرين مسلحين قتلوا المسيحيين عمداً. ريتشار ديرلوف كان أكثر حذراً فهو رئيس سابق للاستخبارات البريطانية، لفت نظري فيه أنه يرأس الآن كلية بمبروك في جامعة كامبردج حيث درست ابنتي. وهو يقول إن القاعدة فشلت، وما نرى هو قيام إسلام معتدل وأحزاب إسلامية معتدلة تطالب بقيم ديموقراطية وحقوق للأفراد عارضتها القاعدة. هذا ما يرى ديرلوف في تونس ومصر، وفي أقوال رجب طيب أردوغان وأفعاله. إلا أنه عبّر أيضاً عن قلق من نوايا الإخوان في مصر، وسجل أن مصطفى عبدالجليل أعلن أن الشريعة ستكون أساس القوانين في ليبيا الجديدة، وأن اليمن أرض خصبة للقاعدة. في المقابل، مجلة «سبكتيتور» كتبت عن «الحكم الديني الجديد في مصر» وتحدثت عن تصحيح دموي لفكرة أن الربيع العربي «ثورة جماهيرية رائعة ضد الطغاة»، وقالت إن متظاهرين مسالمين حُصِدوا عمداً برصاص جنود مصريين وبالمصفحات، وأرض الفراعنة تحولت إلى دولة أصولية إسلامية بمباركة المؤسسة العسكرية. ونشرت «واشنطن تايمز» الليكودية موضوعاً عنوانه «من الربيع العربي إلى الشتاء الإسلامي» فيه تحريض مثير للإدارة الأميركية للوقوف ضد «خطر» الإسلاميين في كل بلد. وتكرر العنوان السابق في خبر لوكالة اسوشييتد برس، نشرته صحف عدة، فقد كان «هل الربيع العربي يسير في طريق شتاء إسلامي»، إلا أن النص كان أكثر موضوعية، ويعكس الفارق بين وكالة أخبار عالمية وجريدة ليكودية. أرجو الحذر، والإسلاميون العرب، وأبرزهم الإخوان المسلمون في مصر، لا تنقصهم الخبرة أو الذكاء، وهم يدركون أن أعداءهم يراقبون ليل نهار ويبحثون عن أي أخطاء تستغل ضدهم. لذلك أنصحهم بالحذر في ميدان التحرير اليوم حتى لا تستغل الشعارات المرفوعة ضدهم. هذا التحذير ينطبق على الآخرين، فعندما أعلن محمود عطية أنه يريد جمع مليون توقيع لإقناع المشير محمد حسين طنطاوي بالترشيح لرئاسة الجمهورية اختار شعاراً «مصر فوق الجميع»، غير أن هذا الشعار نازي الأصل وكان «ألمانيا فوق الجميع» والأفضل استبدال شيء أقل جدلية به، كما فعل الإخوان المسلمون عندما اختاروا شعار «الإسلام هو الحل» واتهمهم خصومهم بأنهم يريدون إقامة دولة إسلامية فغيّروا الشعار إلى «الخير لمصر». أقول للإسلاميين في كل بلد عربي: مبروك عليكم ثقة الناخبين بكم ولكن الحذر الشديد واجب لأن الأعداء في الداخل والخارج يتربصون بهم. وختاماً أعود إلى «الروس قادمون، الروس قادمون» فالعبارة تنسب إلى وزير الدفاع الأميركي جيمس فورستال الذي زعم دور بيرسون، وهو صحافي معروف بحِدّة خصومته للوزير، في مقابلة إذاعية أن فورستال أصابه جنون موقت فكان يستيقظ من نومه وهو يصرخ «الروس يهاجمون». غير أن المؤرخين والباحثين يجمعون اليوم على أن بيرسون كذب ولا دليل إطلاقاً على صحة مزاعمه. «الإسلاميون قادمون، الإسلاميون قادمون» تحذير كاذب آخر من خطر غير موجود.