لاشك أن مواكبة العمل الأدبي أوالفني للحراك الإنساني المحيط به ودخوله في العمق كشفا للحقائق وتعبيرا عن الآلام والآمال من أهم مقومات العمل الناجح، خصوصا إن استطاع استكشاف العوالم الدقيقة والحالات الإنسانية المستترة. ولكن عندما يحول العمل إلى رسالة أيديولوجية أو سياسية هدفها الأول الترويج لحركة فكرية أو اجتماعية معينة فإنه قد يفقد الكثير من جمالياته وعمقه الإنساني الجاذب. ولعل المشكلة الأزلية لكثير من الجوائزالعالمية في الآداب والفنون أنها تُسير في كثير من الأحيان في إطارات سياسية أو اجتماعية لاشك أنها مهمة، وتلامس الهم العام، ولكن هذا الاتجاه قد يجلب إلى الواجهة أعمالا متوسطة أو حتى ضعيفة البناء الفني وسطحية التناول في بعض الأحيان، وذلك على حساب أعمال كتبت لتقرأها البشرية أزمانا وتبحر فيها الأقلام النقدية بحثا واكتشافا لمكامن الإبداع الحقيقي. ولأننا ما زلنا نعيش أخبار جائزة "بوكر" للرواية العربية فإنه يمكننا أن نتساءل عن سر إصرار رئيس لجنة التحكيم لدورة عام 2012، على البحث عن أي إشارة ولو عابرة وردت في الروايات المرشحة في القائمة الطويلة عن الأوضاع السياسية التي تمر بالعالم العربي حاليا، حيث قال" إنه بدون الزعم بأن الروايات المرشحة لهذه الدورة تنبأت على نحو مباشر بالربيع العربي، فإن العديد منها قد صورت الأجواء الخانقة التي كانت سائدة قبل انفجار تلك الانتفاضات". وكأنه يوحي للقارئ أو المستمع بأن لجنة الجائزة ركزت كل جهدها واختياراتها على أي رواية من الروايات المتقدمة للتنافس على الجائزة، احتوت على أي شيء يتعلق بما وصفها ب"الأجواء الخانقة" التي أدت إلى تلك "الانتفاضات". وقد يكون في هذا الاندفاع تجاه تلك الروايات، هضم لروايات أخرى قد تفوقها فنيا، وتعلوها عمقا وإبداعا كتابيا، ولكن لأنها تطرقت إلى قضايا إنسانية أخرى تم تجاهلها. وبالطبع أنا هنا لا أشكك في أحقية الروايات المرشحة حاليا فهي تستحق المنافسة على الجائزة؛ ولكن (مرة أخرى) ما أعتقده وربما غيري هو أن محاولات تسييس الجوائز الأدبية سيفقدنا التعرف على إبداعات عالمية أخرى، والأسوأ أن هذا التوجه قد يجعل كتاب الرواية العرب يتسابقون في إطار واحد ويندفعون لكتابة روايات مستنسخة من بعضها ف"يتشابه البقر" على القارئ والناقد. ويقع الجميع في الفخ نفسه الذي وقع فيه كل من حمل القلم في ساحتنا المحلية وادعى زورا (أنه/ أنها) ( كاتب/ كاتبة) رواية بعد موضة "بنات الرياض"، حتى اكتشف الجميع أن بعض هؤلاء "الروائيين السعوديين" لم يكتبوا حتى خواطر في صحيفة مدرسية قبل طباعة أعمالهم الهزيلة. [email protected]